البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا كِذَّابٗا} (28)

وقرأ الجمهور : { كذاباً } بشد الذال مصدر كذب ، وهي لغة لبعض العرب يمانية .

يقولون في مصدر فعل فعالاً ، وغيرهم يجعل مصدره على تفعيل ، نحو تكذيب .

ومن تلك اللغة قول الشاعر :

لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي *** وعن حاجة قضاؤها من شفائيا

ومن كلام أحدهم وهو يستفتي الحلق أحب إليك أم القصار ، يريد التقصير ، يعني في الحج .

وقال الزمخشري : وفعال في باب فعل كله فاش في كلام فصحاء من العرب لا يقولون غيره ، وسمعني بعضهم أفسر آية فقال : لقد فسرتها فساراً ما سمع بمثله .

وقرأ علي وعوف الأعرابي وأبو رجاء والأعمش وعيسى بخلاف عنه بخف الذال .

قال صاحب اللوامح علي وعيسى : البصرة ، وعوف الأعرابي : كذاباً ، كلاهما بالتخفيف ، وذلك لغة اليمن بأن يجعلوا مصدر كذب مخففاً ، كذاباً بالتخفيف مثل كتب كتاباً ، فصار المصدر هنا من معنى الفعل دون لفظه ، مثل أعطيته عطاء . انتهى .

وقال الأعشى :

فصدقتها وكذبتها *** والمرء ينفعه كذابه

وقال الزمخشري : هو مثل قوله : { أنبتكم من الأرض نباتاً } يعني : وكذبوا بآياتنا فكذبوا كذاباً ، أو تنصبه بكذبوا لا يتضمن معنى كذبوا ، لأن كل مكذب بالحق كاذب ؛ وإن جعلته بمعنى المكاذبة فمعناه : وكذبوا بآياتنا فكاذبوا مكاذبة ، أو كذبوا بها مكاذبين لأنهم إذا كانوا عند المسلمين كاذبين وكان المسلمون عندهم كاذبين فبينهم مكاذبة ، أو لأنهم يتكلمون بما هو إفراط في الكذب ، فعل من يغالب في أمر فيبلغ فيه أقصى جهده .

انتهى .

والأظهر الإعراب الأول وما سواه تكلف ، وفي كتاب ابن عطية وكتاب اللوامح .

وقرأ عبد الله بن عمر بن عبد العزيز : وفي كتاب ابن خالويه عمر بن عبد العزيز والماجشون ، ثم اتفقوا كذاباً بضم الكاف وشد الذال ، فخرج على أنه جمع كاذب وانتصب على الحال المؤكدة ، وعلى أنه مفرد صفة لمصدر ، أي تكذيباً كذاباً مفرطاً في التكذيب .