البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِيمِ} (2)

0

{ عم يتساءلون } .

وقرأ الجمهور : { عم } ؛ وعبد الله وأبيّ وعكرمة وعيسى : عما بالألف ، وهو أصل عم ، والأكثر حذف الألف من ما الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجر وأضيف إليها .

ومن إثبات الألف قوله :

على ما قام يشتمني لئيم *** كخنزير تمرغ في رماد

وقرأ الضحاك وابن كثير في رواية : عمه بهاء السكت ، أجرى الوصل مجرى الوقف ، لأن الأكثر في الوقف على ما الاستفهامية هو بإلحاق هاء السكت ، إلا إذا أضيفت إليها فلا بد من الهاء في الوقف ، نحو : بحى مه .

والاستفهام عن هذا فيه تفخيم وتهويل وتقرير وتعجيب ، كما تقول : أي رجل زيد ؟ وزيد ما زيد ، كأنه لما كان عديم النظير أو قليله خفيّ عليك جنسه فأخذت تستفهم عنه .

ثم جرد العبارة عن تفخيم الشيء ، فجاء في القرآن ، والضمير في { يتساءلون } لأهل مكة .

وقرأ عبد الله وابن جبير : يسألون بغير تاء وشد السين ، وأصله يتساءلون بتاء الخطاب ، فأدغم التاء الثانية في السين .

ثم أخبر تعالى أنهم { يتساءلون عن النبإ العظيم } ، وهو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به من القرآن .

وقيل : الضمير لجميع العالم ، فيكون الاختلاف تصديق المؤمن وتكذيب الكافر . وقيل : المتسأل فيه البعث والاختلاف فيه .

عم متعلق بيتساءلون . ومن قرأ عمه بالهاء في الوصل فقد ذكرنا أنه يكون أجرى الوصل مجرى الوقف ، وعن النبأ متعلق بمحذوف ، أي يتساءلون عن النبأ .

وأجاز الزمخشري أن يكون وقف على عمه ، ثم ابتدأ بيتسألون عن النبأ العظيم على أن يضمر لعمه يتساءلون ، وحذفت لدلالة ما بعدها عليه ، كشيء مبهم ثم يفسر .

وقال ابن عطية : قال أكثر النحاة قوله { عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ } متعلق بيتساءلون ، الظاهر كأنه قال : لم يتساءلون عن النبأ العظيم ؟ وقال الزجاج : الكلام تام في قوله { عَمَّ يَتَسَاءلُونَ } ، ثم كان مقتضى القول أن يجيب مجيب فيقول : يتساءلون عن النبأ ، فاقتضى إيجاز القرآن وبلاغته أن يبادر المحتج بالجواب الذي يقتضيه الحال ، والمجاورة اقتضاء بالحجة وإسراعاً إلى موضع قطعهم .

وقرأ عبد الله وابن جبير : يسألون بغير تاء وشد السين ، وأصله يتساءلون بتاء الخطاب ، فأدغم التاء الثانية في السين .