البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَهُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ} (129)

{ فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم } : أي فإنْ أعرضوا عن الإيمان بعد هذه الحالة التي منّ الله عليهم بها من إرسالك إليهم واتصافك بهذه الأوصاف الجميلة فقل : حسبي الله أي : كافيّ من كل شيء ، عليه توكلت أي : فوضت أمري إليه لا إلى غيره ، وقد كفاه الله شرهم ونصره عليهم ، إذ لا إله غيره .

وهي آية مباركة لأنها من آخر ما نزل ، وخص العرش بالذكر لأنه أعظم المخلوقات .

وقال ابن عباس : العرش لا يقدر أحد قدره انتهى .

وذكر في معرض شرح قدرة الله وعظمته ، وكان الكفار يسمعون حديث وجود العرش وعظمته من اليهود والنصارى ، ولا يبعد أنهم كانوا سمعوا ذلك من أسلافهم .

وقرأ ابن محيصن : العظيم برفع الميم صفة للرب ، ورويت عن ابن كثير .

قال أبو بكر الأصم : وهذه القراءة أعجب إليّ ، لأنّ جعل العظيم صفة لله تعالى أولى من جعله صفة للعرش ، وعظم العرش يكبر جثته واتساع جوانبه على ما ذكر في الأخبار ، وعظم الرب بتقديسه عن الحجمية والأجزاء والإبعاض ، وبكمال العلم والقدرة ، وتنزيهه عن أن يتمثل في الأوهام ، أو تصل إليه الأفهام .

وعن ابن عباس : آخر ما نزل لقد جاءكم إلى آخرها .

وعن أبيّ أقرب القرآن عهداً بالله لقد جاءكم الآيتان ، وهاتان الآيتان لم توجدا حين جمع المصحف إلا في حفظ خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين ، فلما جاء بها تذكرها كثير من الصحابة ، وقد كان زيد يعرفها ، ولذلك قال : فقدت آيتين من آخر سورة التوبة ، ولو لم يعرفها لم ندر هل فقد شيئاً أولاً ، فإنما ثبتت الآية بالإجماع لا بخزيمة وحده .

وقال عمر بن الخطاب : ما فرغ من تنزل براءة حتى ظننا أن لن يبقى منا أحد إلا سينزل فيه شيء .

وفي كتاب أبي داود عن أبي الدرداء قال : من قال : « إذا أصبح وإذا أمسى حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الله تعالى ما أهمه » .