الموطن : الموقف والمقام ، قال الشاعر :
وكم موطن لولاي طحت كما هوى *** بإجرامه من قلة النيق منهوي
حنين : وادٍ بين مكة والطائف ، وقيل : واد إلى جنب ذي المجاز .
{ لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين } لما تقدم قوله : { قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم } واستطرد بعد ذلك بما استطرد ذكرهم تعالى نصره إياهم في مواطن كثيرة ، والمواطن مقامات الحرب وموافقها .
وقيل : مشاهد الحرب توطنون أنفسكم فيها على لقاء العدو ، وهي جمع موطن بكسر الطاء قال :
وكم موطن لولاي طحت كما هوى *** بإجرامه من قلة النيق منهوى
وهذه المواطن : وقعات بدر ، وقريظة والنضير ، والحديبية ، وخيبر ، وفتح مكة .
ووصفت بالكثرة لأن أئمة التاريخ والعلماء والمغازي نقلوا أنها كانت ثمانين موطناً .
وحنين واد بين مكة والطائف قريب من ذي المجاز .
وصرف مذ هو بابه مذهب المكان ، ولو ذهب به مذهب البقعة لم يصرف كما قال :
نصروا نبيهم وشدّوا أزره *** بحنين يوم تواكل الأبطال
قال الزمخشري : وموطن يوم حنين أوفى أيام مواطن كثيرة ، ويوم حنين .
وقال ابن عطية : ويوم عطف على موضع قوله : في مواطن ، أو على لفظه بتقدير : وفي يوم ، فحذف حرف الخفض انتهى .
وإذ بدل من يوم وأضاف الإعجاب إلى جميعهم ، وإن كان صادراً من واحد لما رأى الجمع الكثير أعجبه ذلك وقال : لن نغلب اليوم من قلة .
والقائل قال ابن المسيب : هو أبو بكر ، أو سلمة بن سلامة بن قريش ، أو ابن عباس ، أو رجل من بني بكر .
ونقل أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ساءه كلام هذا القائل ، ووكلوا إلى كلام الرجل .
والكثرة بفتح الكاف ، ويجمع على كثرات .
وتميم تكسر الكاف ، وتجمع على كثر كشذوة وشذر ، وكسرة وكسر ، وهذه الكثرة عن ابن عباس ستة عشر ألفاً ، وعن النحاس أربعة عشر ألفاً ، وعن قتادة وابن زيد وابن إسحاق والواقدي : اثنا عشر ألفاً ، وعن مقاتل عن ابن عباس : أحد عشر ألفاً وخمسمائة .
والباء في بما رحبت للحال ، وما مصدرية أي : ضاقت بكم الأرض مع كونها رحباً واسعة لشدة الحال عليهم وصعوبتها كأنهم لا يجدون مكاناً يستصلحونه للهرب والنجاة لفرط ما لحقهم من الرعب ، فكانها ضاقت عليهم .
والرحب : السعة ، وبفتح الراء الواسع .
يقال : فلان رحب الصدر ، وبلد رحب ، وأرض رحبة ، وقد رحبت رحباً ورحابة .
وقرأ زيد بن علي : بما رحبت في الموضعين بسكون الحاء وهي لغة تميم ، يسكنون ضمة فعل فيقولون في ظرف ظرْف .
ثم وليتم مدبرين أي : وليتم فارين على أدباركم منهزمين تاركين رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأسند التولي إلى جميعهم وهو واقع من أكثرهم ، إذ ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس من الأبطال على ما يأتي ذكره إن شاء الله ، فيقول لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة كان في عشرة آلاف من أصحابه ، وانضاف إليه الفان من الطلقاء فصاروا اثني عشر ألفاً إلى ما انضاف إليهم من الأعراب من سليم ، وبني كلاب ، وعبس ، وذبيان ، وسمع بذلك كفار العرب فشق عليهم ، فجمعت له هوزان وألفافها وعليهم مالك بن عوف النضري ، وثقيف وعليهم عبد ياليل بن عمرو ، وانضاف إليهم أخلاط من الناس حتى كانوا ثلاثين ألفاً ، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد استعماله عتاب بن أسيد على مكة ، حتى اجتمعوا بحنين ، فلما تصاف الناس حمل المشركون من مجاني الوادي وكان قد كمنوا بها ، فانهزم المسلمون .
قال قتادة : ويقال إنّ الطلقاء من أهل مكة فروا وقصدوا إلقاء الهزيمة في المسلمين ، وبلغ فلهم مكة ، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مركزه على بغلة شهباء تسمى دلدل لا يتخلخل ، والعباس قد اكتنفه آخذاً بلجامها ، وابن عمه أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب وابنه جعفر ، وعلي بن أبي طالب ، وربيعة بن الحرث ، والفضل بن العباس ، وأسامة بن زيد ، وأيمن بن عبيد وهو أيمن ابن أم أيمن ، وقتل بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم هؤلاء من أهل بيته ، وثبت معه أبو بكر وعمر فكانوا عشرة رجال ، ولهذا قال العباس :
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة *** وقد فر من قد فر منهم وأقشعوا
وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه *** بما مسه في الله لا يتوجع
وثبتت أم سليم في جملة من ثبت ممسكة بعيراً لأبي طلحة وفي يدها خنجر ، ونزل صلى الله عليه وسلم عن بغلته إلى الأرض واستنصر الله ، وأخذ قبضة من تراب وحصا فرمى بها في وجوه الكفار وقال : « شاهت الوجوه » قال يعلى بن عطاء : فحدثني أبناؤهم عن آبائهم قالوا : لم يبق منا أحد إلى دخل عينية من ذلك التراب ، وقال للعباس وكان صيتاً : نادِ أصحاب السمرة ، فنادى الأنصار فخذاً فخذاً ، ثم نادى يا أصحاب الشجرة ، يا أصحاب سورة البقرة ، فكروا عنقاً واحداً وهم يقولون : لبيك لبيك ، وانهزم المشركون فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قتال المسلمين فقال : « هذا حين حمي الوطيس » وركض رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفهم على بغلته .
وفي صحيح مسلم من حديث البراء : أنّ هوازن كانوا رماة فرموهم برشق من نبل كأنها رجل من جراد فانكشفوا ، فأقبل القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان يقود بغلته فنزل ودعا واستنصر ، وهو يقول :
« أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب اللهم أنزل نصرك » قال البراء : كنا والله إذا حمي البأس نتقي به صلى الله عليه وسلم ، وأنّ الشجاع منا الذي يحاذي به يعني النبي صلى الله عليه وسلم .
وفي أول هذا الحديث : « أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة ؟ » فقال : اشهد عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ولى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.