أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{سَيَقُولُ لَكَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ شَغَلَتۡنَآ أَمۡوَٰلُنَا وَأَهۡلُونَا فَٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَاۚ يَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔا إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ ضَرًّا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ نَفۡعَۢاۚ بَلۡ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرَۢا} (11)

شرح الكلمات :

{ المخلفون من الأعراب } : أي الذين حول المدينة وقد خلّفهم الله عن صحبتك لما طلبتهم ليخرجوا معك إلى مكة خوفا من تعرض قريش لك عام الحديبية وهم غفار ومزينة وجهينة وأشجع .

{ شغلتنا أموالنا وأهلونا } : أي عن الخروج معك .

{ فاستغفر لنا } : أي الله من ترك الخروج معك .

{ يقولون بألسنتهم } : أي كل ما قالوه هو ألسنتهم وليس في قلوبهم منه شيء .

{ قل فمن يملك لكم من الله شيئا } : أي لا أحد لأن الاستفهام هنا للنفي .

{ إن أراد بكم ضراً أو أراد بكم نفعاً } : وبَّخهم على تركهم صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفا من قريش .

المعنى :

ما زال السياق الكريم في مطلب هداية المنافقين في الحضر والبادية وذلك بتأنيبهم وتوبيخهم وذكر معايبهم إرادة إصلاحهم فقال تعالى لرسوله { سيقول لك المخلفون من الأعراب } وهم غفار مزينة وجهينة وأشجع وكانوا أهل بادية وأعرابا حول المدينة استنفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا معه إلى مكة للعمرة تحسبا لما قد تُقدم عليه قريش من قتاله صلى الله عليه وسلم إلاَّ أن هؤلاء المخلفين من الأعراب أصابهم خوف وجبن من ملاقاة قريش وزين لهم الشيطان فكرة أن الرسول والمؤمنين لن يعودوا إلى المدينة فإِن قريشا ستقضي عليهم وتنهي وجودهم فَلِذَلِكَ خلفهم الله وحرمهم صحبة نبيّه المؤمنين فحرموا من مكرمة بيعة الرضوان وأخبر رسوله عنهم وهو عائد من الحديبية بما يلي { سيقول لك المخلفون من الأعراب } معتذرين لك عن تخلفهم { شغلتنا أموالنا } فتخلفنا لأجل إصلاحها ، { وأهلونا } كذلك { فاستغفر لنا } أي اطلب لنا من الله المغفرة . ولم يكن هذا منهم حقا وصدقا بل كان باطلا وكذا فقال تعالى فاضحاً لهم { يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم } فهم إذاً كاذبون . وهنا أمر رسوله أن يقول لهم أخبروني إن أنتم عصيتم الله ورسوله وتركتم الخروج مع المؤمنين جنبا وخوفا من القتل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضراً أي شراً لكم أو أرد بكم نفعاً أي خيراً لكم ؟ والجواب قطعا لا أحد إذاً فإِنكم كنتم مخطئين في تخلفكم وظنكم معاً ، وقوله { بل كان الله بما تعملون خبيرا } أضرب تعالى عن كذبهم واعتذارهم ليهددهم على ذلك بقوله { بل كان الله بما تعملون خبيرا } وسيجزيكم به وما كان عملهم إلا الباطل والسوء .

الهداية :

من الهداية :

- إخبار القرآن بالغيب وصدقه في ذلك دال على أنه كلام الله أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم .

- لا يملك النفع ولا الضر على الحقيقة إلا الله ولذا وجب أن لا يطمع إلا فيه ، ولا يرهب لا منه .

- ذم التخلف عن المسابقة في الخيرات والمنافسة في الصالحات .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{سَيَقُولُ لَكَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ شَغَلَتۡنَآ أَمۡوَٰلُنَا وَأَهۡلُونَا فَٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَاۚ يَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔا إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ ضَرًّا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ نَفۡعَۢاۚ بَلۡ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرَۢا} (11)

قوله تعالى : { سيقول لك المخلفون من الأعراب } قال ابن عباس ، ومجاهد : يعني أعراب بني غفار ومزينة وجهينة ، وأشجع وأسلم ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمراً استنفر من حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه حذراً من قريش أن يعرضوا له بحرب ، أو يصدوه عن البيت ، فأحرم بالعمرة وساق معه الهدي ليعلم الناس أنه لا يريد حرباً ، فتثاقل عنه كثير من الأعراب وتخلفوا واعتلوا بالشغل ، فأنزل الله تعالى فيهم : { سيقول لك المخلفون من الأعراب } يعني الذين خلفهم الله عز وجل عن صحبتك ، فإذا انصرفت من سفرك إليهم فعاتبهم على التخلف عنك { شغلتنا أموالنا وأهلنا } يعني النساء والذراري ، أي لم يكن لنا من يخلفنا فيهم . { فاستغفر لنا } تخلفنا عنك ، فكذبهم الله عز وجل في اعتذارهم ، فقال : { يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم } من أمر الاستغفار ، فإنهم لا يبالون أستغفر لهم النبي صلى الله عليه وسلم أو لا . { قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً } سوءا { أو أراد بكم نفعا } قرأ حمزة والكسائي : { ضراً } بضم الضاد ، وقرأ الآخرون بفتحها لأنه قابله بالنفع ، والنفع ضد الضر ، وذلك أنهم ظنوا أن تخلفهم عن النبي صلى الله عليه وسلم يدفع عنهم الضر ، ويعجل لهم النفع بالسلامة في أنفسهم وأموالهم ، فأخبرهم الله تعالى أنه إن أراد بهم شيئاً من ذلك لم يقدر أحد على دفعه . { بل كان الله بما تعملون خبيراً* }