أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{إِنَّا سَنُلۡقِي عَلَيۡكَ قَوۡلٗا ثَقِيلًا} (5)

شرح الكلمات :

{ إنا سنلقي عليك قولا } : أي قرآنا .

{ ثقيلا } : أي محملة ثقيلا العمل به لما يحوى من التكاليف .

المعنى :

وقوله { إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا } يخبره ربّه تعالى بأنه سيلقي عليه قولا ثقيلا هو القرآن فإِنه ثقيل مهيب ذو تكاليف العمل بها ثقيل إنها فرائض وواجبات أعلمه ليوطن نفسه على العمل ويهيئها لحمل الشريعة علما وعملا ودعوة .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِنَّا سَنُلۡقِي عَلَيۡكَ قَوۡلٗا ثَقِيلًا} (5)

ولما كان المراد منه صلى الله عليه وسلم الثبات للنبوة ومن أمته الثبات {[69408]}في الاقتداء{[69409]} به في العمل والأمر والنهي ، وكان ذلك في غاية الصعوبة ، وكان الإنسان عاجزاً إلا بإعانة مولاه ، وكان العون النافع إنما يكون لمن صفت نفسه عن الأكدار وأشرقت بالأنوار ، وكان ذلك إنما يكون بالاجتهاد في خدمته سبحانه ، علل هذا الأمر بقوله مبيناً للقرآن الذي أمر بقراءته ما هو وما وصفه ، معلماً أن التهجد يعد للنفس من القوى ما به يعالج المشقات ، مؤكداً لأن الإتيان بما هو خارج عن جميع أشكال الكلام لا يكاد يصدق : { إنا } أي بما لنا من العظمة { سنلقي } أي قريباً بوعد لا خلف فيه فتهيأ{[69410]} لذلك بما يحق له .

ولما كان المقام لبيان الصعوبة ، عبر بأداة الاستعلاء فقال : { عليك } وأشار إلى اليسر مع ذلك إشارة إلى

{ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر }[ القمر : 17 ] بالتعبير بما تدور مادته على اليسر والخفة فقال : { قولاً } يعني القرآن { ثقيلاً * } أي لما فيه من التكاليف الشاقة من جهة-{[69411]} حملها وتحميلها للمدعوين{[69412]} لأنها تضاد الطبع وتخالف النفس ، ومن جهة رزانة لفظه لامتلائه بالمعاني مع جلالة{[69413]} معناه وتصاعده في خفاء فلا يفهمه المتأمل ويستخرج ما فيه من الجواهر إلا بمزيد فكر وتصفية سر وتجريد نظر ، فهو ثقيل على الموافق من جميع هذه الوجوه وغيرها ، وعلى المخالف من جهة أنه لا يقدر على رده ولا يتمكن من طعن فيه بوجه مع أنه ثقيل في الميزان وعند تلقيه وله وزن وخطر وقدر عظيم ، روي في الصحيح{[69414]} : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه الوحي يفصم عنه وإن جبينه ليتفصد{[69415]} عرقاً في اليوم الشاتي الشديد البرد " وكان –صلى الله عليه وسلم _ إذا أنزل عليه الوحي وهو راكب على ناقته{[69416]} وضعت جرانها فلا تكاد تتحرك حتى يسري عنه " قال القشيري : وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن سورة الأنعام{[69417]} نزلت عليه جملة واحدة{[69418]} وهو راكب فبركت ناقته من ثقل القرآن{[69419]} وهيبته ، وهو مع ثقله على الأركان خفيف على اللسان سهل التلاوة والحفظ على الإنسان .


[69408]:من ظ و م، وفي الأصل: بالاقتدى.
[69409]:من ظ و م، وفي الأصل: بالاقتدى.
[69410]:من ظ و م، وفي الأصل: فهيأ.
[69411]:زيد من ظ.
[69412]:من ظ و م، ووردت الكلمة ناقصة في الأصل مع بياض يسير.
[69413]:من ظ و م، وفي الأصل: جلالته.
[69414]:راجع بدء الوحي.
[69415]:من ظ و م والصحيح، وفي الأصل: ليقطر.
[69416]:في م: ناقة.
[69417]:زيد في الأصل: لما نزلت سورة الأنعام صلى الله عليه وسلم، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[69418]:سقط من ظ و م.
[69419]:زيد في الأصل: هو مع.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِنَّا سَنُلۡقِي عَلَيۡكَ قَوۡلٗا ثَقِيلًا} (5)

قوله : { إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا } المراد بالقول هنا القرآن . وفي تأويل ثقله وجهان : الوجه الأول : أنه ثقيل وقت نزوله وذلك بسبب عظمته . فقد ذكر عن زيد بن ثابت ( رضي الله عنه ) أنه قال : " أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخدي فكادت ترضّ فخدي " .

وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ! هل تحس بالوحي ؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك فما من مرة يوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تقبض " .

وقالت عائشة ( رضي اله عنها ) : ولقد رأيته ينزل عليه الوحي صلى الله عليه وسلم في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وجبينه ليتفصّد عرقا .

وروى الإمام أحمد عن عائشة ( رضي الله عنها ) قالت : إن كان ليوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته فتضرب بجرانها . أي بصدرها . وفي رواية عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها فما تستطيع أن تتحرك حتى يسرّى عنه . وجرانها يعني صدرها ، إذ تضعه على الأرض من فرط الثقل .

الوجه الثاني : أن المراد بثقل القرآن ، العمل به . أي العمل بما يقتضيه من الأحكام والحدود والشرائع والفرائض . فهو في ذلك كله ثقيل لا يحتمله إلا المؤمنون المتقون الذين لا يرتضون عن دين الله وشرعه ومنهاجه أي بديل . يحتمله المؤمنون الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وآمنوا بقضاء الله وقدره خيرهما وشرهما .

أما غير هؤلاء من المشركين والمرتابين والخائرين والمنافقين فإنه يثقل عليهم العمل بما في القرآن من أحكام وفروض وحدود .

ويضاف إلى ذلك كله ثقل الدعوة إلى دين الله ، ومنبعه القرآن . لا جرم أن الدعوة إلى التزام أحكام الإسلام وما حواه القرآن من المبادئ والأخلاق وقواعد الشريعة وأحكامها لهو أمر ثقيل ، لما يواجه ذلك في الغالب من الصدود والجحود والعدوان من أكثر الناس . إن الدعوة إلى دين الإسلام وما تضمنه القرآن من منهج للحياة ليس بالأمر السهل اليسير ، بل إنه ثقيل عسير لا يطيقه إلا الصابرون الراسخون في الإيمان من المسلمين .