{ يولج الليل في النهار } : أي يدخل الليل في النهار فيزيد .
{ ويولج النهار في الليل } : أي يدخل النهار في الليل فيزيد .
{ وسخر الشمس والقمر } : أي ذللهما .
{ كل يجري لأجل مسمى } : أي في فلكه إلى يوم القيامة .
{ والذين تدعون } : أي تعبدون بالدعاء وغيره من العبادات وهم الأصنام .
{ ما يملكون من قطمير } : أي من لفافة النواة التي تكون عليه وهي بيضاء رقيقة .
{ يولج الليل في النهار } أي يدخل جزءاً من الليل في النهار فيطول ، ويقصر الليل { ويولج النهار في الليل } أي يدخل جزءاً منه في الليل فيطول كما أنه يدخل النهار في الليل ، والليل في النهار بالكلية فإنه إذا جاء أحدهما ذهب الآخر ويشهد له قوله تعالى { وآية لهم الليل نسلخ منه النهار } ولازمه نسلخ منه الليل ، فإذا الليل ليل والنهار نهار .
وقوله { سخر الشمس والقمر } أي ذللهما فما يسيران الدهر كله بلا كلل ولا ملل لصالح العباد إذ بهما كان الليل والنهار ، وبهما تعرف السنون والحساب وقوله { كل يجرى } أي كل منهما يجرى { إلى أجل مسمى } أي إلى وقت محدد وهو يوم القيامة .
ولما عرف تعالى نفسه بمظاهر القدرة قدرته وعلمه وحكمته ولطفه ورحمته قال للناس { ذلكم الله ربكم له الملك } أي بعد أن أقام الحجة وأظهر الدليل لم يبق إلا الإِعلان عن الحقيقة التي يتنكر لها الكافرون فأعلنها بقوله { ذلكم } ذو الصفات العظام والجلالب والإِكرام هو الله ربكم الذي لا رب لكم سواه له الملك ، وليس لغيره فلا يصح طلب شيء من غيره ، إذ الملك كله لله وحده ، وأما الذين تدعون من دونه أي تعبدونهم من دونه وهي الأصنام والأوثان وغيرها من الملائكة والأنبياء والأولياء فإنهم لا يملكون من قطمير فضلا عن غيره تمرة فما فوقها لأن الذي لا يملك قطميراً - وهو القشرة الرقيقة على النواة -لا يملك بعيراً .
ولما ذكر سبحانه اختلاف الذوات الدال على بديع صنعه ، أتبعه تغييره المعاني آية على بليغ قدرته ، فقال في موضع الحال من فاعل " خلقكم " إشارة إلى أن الله تعالى صور آدم حين خلق الأرض قبل أن يكون ليل أو نهار ثم نفخ فيه الروح آخر يوم الجمعة بعد أن خلق النور يوم الأربعاء ، فلم يأت على الإنسان حين من الدهر وهو مقدار حركة الفلك إلا وهو شيء مذكور : { يولج } أي يدخل على سبيل الجولان { الّيل في النهار } فيصير الظلام ضياء .
ولما كان هذا الفعل في غاية الإعجاب ، وكان لكثرة تكراره قد صار مألوفاً فغفل عما فيه من الدلالة على تمام القدرة : نبه عليه بإعادة الفعل فقال : { ويولج النهار في الّيل } فيصير ما كان ضياء ظلاماً ، وتارة يكون التوالج بقصر هذا وطول هذا ، فدل كل ذلك على أنه تعالى فاعل بالاختيار .
ولما ذكر الملوين ذكر ما ينشأ عنهما فقال : { وسخر الشمس والقمر } ثم استأنف قوله : { كل } أي منهم { يجري } ولما كان مقصود السورة تمام القدرة ، والسياق هنا لقسر المتنافرات على ما يزيد ، ولذلك ختم الآية بالملك الناظر إلى القسر والقهر لم يصلح لهذا الموضع حرف الغاية فقال : { لأجل } أي لأجل أجل { مسمى } مضروب له لا يقدر أن يتعداه ، فإذا جاء ذلك الأجل غرب ، هكذا كل يوم إلى أن يأتي الأجل الأعظم ، فيختل جميع هذا النظام بأمر الملك العلام ، ويقيم الناس ليوم الزحام ، وتكون الأمور العظام .
ولما دل سبحانه على أنه الفاعل المختار القادر على كل ما يريد بما يشاهده كل أحد في نفسه وفي غيره ، وختم بما تتكرر مشاهدته في كل يوم مرتين ، أنتج ذلك قطعاً قوله معظماً بأداة البعد وميم الجمع : { ذلكم } أي العالي المقدار الذي فعل هذه الأفعال كلها { الله } أي الذي له كل صفة كمال ؛ ثم نبههم على أنه لا مدبر لهم سواه بخبر آخر بقوله : { ربكم } أي الموجد لكم من العدم المربي بجميع النعم لا رب لكم سواه ؛ ثم استأنف قوله : { له } أي وحده { الملك } أي كله وهو مالك كل شيء { والذين تدعون } أي دعاء عبادة ، ثم بيّن منزلتهم بقوله : { من دونه } أي من الأصنام وغيرها وكل شيء فهو دونه سبحانه { ما يملكون } أي في هذا الحال الذي تدعونهم فيه وكل حال يصح أن يقال فيه لكم هذا الكلام ؛ وأغرق في النفي فقال : { من قطمير * } وهو كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما : لفاقة النواة ، وهي القشرة الرقيقة الملتفة عليها ، كناية عن أدنى الأشياء ، فكيف بما فوقه وليس لهم شيء من الملك ، فالآية من الاحتباك : ذكر الملك أولاً دليلاً على حذفه ثانياً ، والملك ثانياً دليلاً على حذفه أولاً ؛
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.