أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا يُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَيۡءٞ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰٓۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ} (18)

شرح الكلمات :

{ ولا تزر وازرة وزر أخرى } : أي في حكم الله وقضائه بين عباده أنّ النفس المذنبة الحاملة لذنبها لا تحمل وزر أي ذنب نفس أخرى بل كل وازرة تحمل وزرها وحدها .

{ ولا تدع مثقلة } : أي بأوزارها حتى لم تقدر على المشي أو الحركة .

{ لا يحمل منه شيء } : أي لا تجد من يستجيب لها ويحمل عنها بعض ذنبها حتى لو دعت ابنها أو أباها أو أمها فضلا عن غيرهم ، وبهذا حكم الله سبحانه وتعالى .

{ يخشون ربهم بالغيب } : أي لأنهم ما رأوه بأعينهم .

{ ومن تزكى } : أي طهَّر نفسه من الشرك والمعاصي .

{ فإنما يتزكَّى لنفسه } : أي صلاحه واستقامته على دين ثمرتها عائدة عليه .

المعنى :

وقوله تعالى { ولا تزر وازرة وزر أخرى } هذا مظهر عدالته تعالى فهو مع قدرته وقهره لعباده ذو عدل فيهم فلا يؤاخذ بغير جرم ، ولا يحمل وزر نفس نفساً أخرى لم تذنب ولم تزر بل كل نفس تؤخذ بذنبها إن كانت مذنبة هذه عدالته تتجلى لعباده يوم يعرضون عليه في يوم كله هول وفزع يدل عليه قوله { وان تدع مثقلة } أي بذنوبها { إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان } من تدعوه { ذا قربى } كالولد والبنت . وقوله تعالى : { إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة } أي إنما تنذر يا رسولنا ويقبل إنذارك وينتفع به من يخشون ربهم ويخافون عذابه بالغيب وأقاموا الصلاة ، أما غيرهم من أهل الكفر والعناد والجحود فإنهم لا يقبلون إنذارك ولا ينتفعون به لظلمة جهلهم وكفرهم وقساوة قلوبهم ، ومع هذا فأنذر ولا عليك في ذلك شيء فإن من تزكَّى بالإِيمان والعمل الصالح مع ترك الشرك والمعاصي فإنما يتزكَّى لنفسه لا لك ولا لنا ، ومن أبى فعليه إباؤه ، وإلينا مصير الكل وسنجزى كلاً بما سكب من خير وشر .

هذا ما دل عليه قوله تعالى : { إنما تنذر الذين يخشون ربهم وأقاموا الصلاة ، ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير } .

الهداية :

من الهداية :

- بيان عدالة الله تعالى يوم القيامة .

- بيان صعوبة الموقف في عرصات القيامة لا سيما عند وضع الميزان ووزن الأعمال .

- بيان أن الإِنذار والتخويف من عذاب الله لا ينتفع به غير المؤمنين الصالحين .

- تقرير عقيدة البعث والجزاء يوم القيامة .

- تقرير حقيقة وهي أن من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا يُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَيۡءٞ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰٓۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ} (18)

ولما أنهى سبحانه بيان الحق بالدلائل القاطعة والبراهين الساطعة بالتهديد بالأخذ ، وكان الأخذ على وجه التهديد عقاباً ، وكان العقاب لا يكون حكمه إلا عند الذنب ، قال دالاً على أنه لا ينفك أحد عما يستحق به العقاب : { ولا } أي يذهبكم عقوبة لكم بأوزاركم وقدرة عليكم والحال أنه لا { تزر } أي تحمل يوم القيامة أو عند الإذهاب ، ولما لم تكن نفس متأهلة للحمل تخلو من وزر تحمله ، والمعصوم من عصم الله ، قال : { وازرة } دون نفس ، أي لا تحمل حاملة من جهة الإثم { وزر } أي حمل وثقل { أخرى } لتعذب به ، بل كل واحد منكم له مما كسبت يداه ما ثقوم به عليه الحجة في الأخذ مباشرة وتسبباً مع تفاوتكم في الوزر ، ولا يحمل أحد إلا ما اقترفه هو ، لا تؤخذ نفس بذنب أخرى الذي يخصها كما تفعل جبابرة الدنيا .

ولما أثبت أنه لا يؤخذ أحد إلا بوزر ، ونفى أن يحمل أحد وزر غيره ، وكان ربما أوهم أن ذلك خاص ببعض الأحوال أو الأشخاص ، وكان عظم الوزر يوجب عظم الأخذ ، نفى ذلك الإيهام ودل على القدرة على المفاوتة بينهم في الأجر وإن كان أخذهم في آن واحد بقوله : { وإن تدع } أي نفس { مثقلة } أي بالذنوب سواء كانت كفراً أو غيره ، أحداً { إلى حملها } أي الخاص بها من الذنوب التي ليست على غيرها بمباشرة ولا تسبب ليخفف عنها فيخفف عنها العذاب بسبب خفته { لا يحمل } أي من حامل ما { منه شيء } أي لا طواعية ولا كرهاً . بل لكل امرئ شأن يغنيه أصلاً وتسبباً { ولو كان } ذلك الداعي أو المدعو للحمل { ذا قربى } لمن دعاه ، وحاصل الأولى أنه لا يهلك أحد بذنب غيره بل بذنب نفسه ، والثانية أنه لا يحط عن أحد ذنبه ليسلم .

ولما كان هذا أمراً - مع كونه جلياً - خالعاً للقلوب ، فكان بحيث يشتد تعجب السامع ممن يسمعه ولا يخشى ، فقال مزيلاً لهذا العجب على سبيل النتيجة : { إنما تنذر } أي إنذاراً يفيد الرجوع عن الغيّ ، فلاختصاصهم بالنفع كانوا كأنهم مختصون بالإنذار ، وهو كما قال القشيري : الإعلام بموضع المخافة . { الذين يخشون } أي يوقعون هذا الفعل في الحال ويواظبون عليه في الاستقبال . ولما كان أعقل الناس من خاف المحسن لان أقل عقابة قطع إحسانه قال : { ربهم } .

ولما كان أوفى الناس عقلاً وأعلاهم همة وأكرمهم عنصراً من كانت غيبته مثل حضوره ، وكان لا يحتاج - مع قول الداعي وما يظهر له من سمته وحسن قوله وفعله - إلى آية يظهرها ولا خارقة يبرزها ، وإنما إيمانه تصديقاً للداعي في إخباره بالأمر المغيب من غير كشف غطاء قال : { بالغيب } أي حال كونهم غائبين عما دعوا إليه وخوفوا به ، أو حال كونه غائباً عنهم أو غائبين عمن يمكن مراءاته ، فهم مخلصون في خشيتهم سواء بحيث لا يطلع عليهم إلا الله ، ولا نعلم أحداً وازى خديجة والصديق رضي الله عنهما في ذلك .

ولما كانت الصلاة جامعة لخضوع الظاهر والباطن ، فكانت أشرف العبادات ، وكانت إقامتها بمعنى حفظ جميع حدودها في كل حال أدل الطاعات على الإخلاص ، قال معبراً بالماضي لأن مواقيت الصلاة مضبوطة : { وأقاموا } أي دليلاً على خشيتهم { الصلاة } في أوقاتها الخمسة وما يتبع ذلك من السنن .

ولما كان التقدير : فمن كان على غير ذلك تدسى ، ومن كان على هذا فقد تزكى ، ومن تدسى فإنما يتدسى على نفسه ، عطف عليه قوله ، مشيراً بأداة التفعل إلى أن النفس أميل شيء إلى الدنس ، فلا تنقاد إلى أحسن تقويم إلا باجتهاد عظيم . { ومن تزكّى } أي تطهر وتكثر بهذه المحاسن . ولما كان الإنسان ليفيده بالأسباب القريبة قد يغفل عن أن هذا نفع له وخاص به أكده فقال : { فإنما يتزكّى لنفسه } فإنه لا يضر ولا ينفع في الحقيقة غيرها { وإلى الله } الذي يكشف عن جميع صفاته أتم كشف تحتمله العقول يوم البعث لا إلى غيره { المصير * } كما كان منه المبدأ فيجازي كلاًّ على فعله فينصف بينك وبين من خشي ربه بإنذارك ومن أعرض عن ذلك .