{ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا } : أي في القرآن لإِبطالها إلا الكافرون .
{ فلا يغررك تقلبهم في البلاد } : أي فلا تغتر بمعاشهم سالمين فإِن عاقبتهم النار .
لما أثنى تبارك وتعالى على نفسه بما هو أهله أخبر رسوله بأنه { ما يجادل في آيات الله } القرآنية الحاوية للحجج القواطع والبراهين السواطع على توحيد الله ولقائه وعلى نبوة رسول الله ما يجادل فيها { إلا الذين كفروا } وذلك لظلمة نفوسهم وفساد قلوبهم ، وعليه فاصبر ولا تغتر بظاهر ما هم عليه من سعة الرزق وسلامة البدن ، وهو معنى قوله : { فلا يغررك تقلبهم في البلاد } أي آمنين معافين في أبدانهم وأرزاقهم فإنهم ممهلون لا مهملون .
{ 4 - 6 } { مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ * وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ }
يخبر تبارك وتعالى أنه ما يجادل في آياته إلا الذين كفروا والمراد بالمجادلة هنا ، المجادلة لرد آيات الله ومقابلتها بالباطل ، فهذا من صنيع الكفار ، وأما المؤمنون فيخضعون لله تعالى الذي يلقي الحق ليدحض به الباطل ، ولا ينبغي للإنسان أن يغتر بحالة الإنسان الدنيوية ، ويظن أن إعطاء الله إياه في الدنيا دليل على محبته له وأنه على الحق ولهذا قال : { فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ } أي : ترددهم فيها بأنواع التجارات والمكاسب ، بل الواجب على العبد ، أن يعتبر الناس بالحق ، وينظر إلى الحقائق الشرعية ويزن بها الناس ، ولا يزن الحق بالناس ، كما عليه من لا علم ولا عقل له .
ولما تبين ما للقرآن من البيان الجامع بحسب نزوله جواباً لما يعرض لهم من الشبه ، فدل بإزاحته كل علة على ما وصف سبحانه به نفسه المقدس من العزة والعلم بياناً لا خفاء في شيء منه ، أنتج قول ذماً لمن يريد إبطاله وإخفاءه : { ما يجادل } أي يخاصم ويماري ويريد أن يفتل الأمور إلى مراده { في آيات } وأظهر موضع الإضمار تعظيماً للآيات فقال : { الله } أي في إبطال أنوار الملك الأعظم المحيط بصفات الكمال الدالة كالشمس على أنه إليه المصير ، بأن يغش نفسه بالشك في ذلك لشبه يميل معها ، أو غيره بالتشكيك له ، أو في شيء غير ذلك مما أخبر به تعالى { إلا الذين كفروا } أي غطوا مرائي عقولهم وأنوار بصائرهم لبساً على أنفسهم وتلبيساً على غيرهم .
ولما ثبت أن الحشر لا بد منه ، وأن الله تعالى قادر كل قدرة لأنه لا شريك له وهو محيط بجميع أوصاف الكمال ، تسبب عن ذلك قوله : { فلا يغررك تقلبهم } أي تنقلهم بالتجارات والفوائد والجيوش والعساكر وإقبال الدنيا عليهم { في البلاد * } فإنه لا يكون التفعل بالقلب إلا عن قهر وغلبة ، فتظن لإمهالنا إياهم أنهم على حق ، أو أن أحداً يحميهم علينا ، فلا بد من صيرورتهم عن قريب إلينا صاغرين داخرين ، وتأخيرهم إنما هو ليبلغ الكتاب أجله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.