نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{مَا يُجَٰدِلُ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَا يَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُهُمۡ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (4)

ولما تبين ما للقرآن من البيان الجامع بحسب نزوله جواباً لما يعرض لهم من الشبه ، فدل بإزاحته كل علة على ما وصف سبحانه به نفسه المقدس من العزة والعلم بياناً لا خفاء في شيء منه ، أنتج قول ذماً لمن يريد إبطاله وإخفاءه : { ما يجادل } أي يخاصم ويماري ويريد أن يفتل الأمور إلى مراده { في آيات } وأظهر موضع الإضمار تعظيماً للآيات فقال : { الله } أي في إبطال أنوار الملك الأعظم المحيط بصفات الكمال الدالة كالشمس على أنه إليه المصير ، بأن يغش نفسه بالشك في ذلك لشبه يميل معها ، أو غيره بالتشكيك له ، أو في شيء غير ذلك مما أخبر به تعالى { إلا الذين كفروا } أي غطوا مرائي عقولهم وأنوار بصائرهم لبساً على أنفسهم وتلبيساً على غيرهم .

ولما ثبت أن الحشر لا بد منه ، وأن الله تعالى قادر كل قدرة لأنه لا شريك له وهو محيط بجميع أوصاف الكمال ، تسبب عن ذلك قوله : { فلا يغررك تقلبهم } أي تنقلهم بالتجارات والفوائد والجيوش والعساكر وإقبال الدنيا عليهم { في البلاد * } فإنه لا يكون التفعل بالقلب إلا عن قهر وغلبة ، فتظن لإمهالنا إياهم أنهم على حق ، أو أن أحداً يحميهم علينا ، فلا بد من صيرورتهم عن قريب إلينا صاغرين داخرين ، وتأخيرهم إنما هو ليبلغ الكتاب أجله .