تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{مَا يُجَٰدِلُ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَا يَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُهُمۡ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (4)

الآية 4 وقوله تعالى : { مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا } أي يجادل في دفع آيات الله والطعن في آيات الله الذين كفروا بالله ، أو كفروا بآيات الله . وكانت مجادلتهم ما ذكر حين{[18137]} قال { ليُدحِضوا به الحق } [ غافر : 5 ] ليبطلوا{[18138]} به الحق .

أهل الكفر هم الذين كانوا يجادلون في دفع آيات الله والطعن فيها . فأما أهل الإيمان بها فكانوا يفرحون بنزولها ، ويزداد لهم بذلك إيمان كما قال تعالى : { وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ } [ الرعد : 36 ] وكقوله : { وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيمانا } [ الأنفال : 2 ] ونحو ذلك من الآيات كانوا يستسلمون لها ، ويقبلونها بالتعظيم والتبجيل ، وبالله التوفيق .

وقوله تعالى : { فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ } معلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يغُرّه تقلّبهم في البلاد . لكنه ذكر الخطاب له ، وأراد به غيره لما يحتمل أن يظن قوم أن أهل الكفر لما كانوا في أمن في التقلّب في البلاد والسعة في عيشهم ، وأن أهل الإيمان في ضيق وشدة وخوف أن أولئك على الحق ، وهؤلاء على الباطل ، فجائز أن يظن ظانٌّ ما ذكرنا .

فأخبر الله عز وجل أن الأمن والسعة ليسا{[18139]} بدليل على كون صاحبهما{[18140]} على الحق ، ولا الضيق والشدة بدليل على كون صاحبهما{[18141]} على الباطل ؛ لكن محنة امتحنهم مرة بالسعة والأمن ومرة بالضيق والخوف . دليل ذلك وجود الحالين جميعا في كل فريق مع اختلاف مذاهبهم وتضاد أقاويلهم .

ويحتمل أن يكون المراد منه أهل مكة ، أي لا يغررهم تقلّبهم في البلاد وأمنهم وسعتهم بعدما نزل بأهل الآفاق والنواحي أنهم على الحق وأن ذلك يدفع ذلك عنهم ، أو يكونون على أمن لمكان كونهم بقرب من البيت لحرمته وشرفه .


[18137]:في الأصل وم: حيث.
[18138]:في الأصل وم: ويبطلوا.
[18139]:في الأصل وم: ليس.
[18140]:في الأصل وم: صاحبه.
[18141]:في الأصل وم: صاحبه.