ثم لما ذكر الله سبحانه أن القرآن كتاب الله أنزله ليهتدي به في الدين . ذكر أحوال من يجادل فيه لقصد إبطاله فقال :
{ مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا } أي ما يخاصم في دفع آيات الله وتكذيبها بالطعن فيها إلا الكفار ، والمراد الجدال بالباطل ، القصد إلى دحض الحق ، كما في قوله وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ، فأما الجدال لاستيضاح الحق وإيضاح الملتبس ، وحل المشكل وتكذيبها ، وكشف المعضل ، واستنباط المعاني ، ورد أهل الزيغ بها ، ورفع اللبس ، والبحث عن الراجح والمرجوح ، وعن المحكم والمتشابه ، ودفع ما يتعلق به المبطلون من متشابهات القرآن ، وردهم بالجدال إلى المحكم ، فهو من أعظم ما يتقرب به المتقربون ، وأفضل ما يجاهد في سبيله المجاهدون ، وبذلك أخذ الله الميثاق على الذين أوتوا الكتاب فقال :
{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ } وقال : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ } وقال . { وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } .
فتلخص أن الجدال نوعان ، جدال في تقرير الحق ؛ وجدال قي تقرير الباطل ؛ أما الأول فهو حرفة الأنبياء عليهم السلام ، ومنه قوله تعالى حكاية عن قوم نوح { يا نوح قد جادلتنا } وأما الثاني فهو مذموم ، وهو المراد بهذه الآية ، فجدالهم في آيات الله هو قولهم مرة هذا سحر ، ومرة شعر ، ومرة هو قول الكهنة ، ومرة { أساطير الأولين } ومرة { إنما يعلمه بشر } وأشباه هذا قاله الكرخي . وأخرج عبد بن حميد وأبو داود عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن جدالا في القرآن كفر } ، وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( المراء في القرآن كفر ) {[1457]} ، أخرجه أبو داود وغيره .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال ( هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية ، فخرج يعرف في وجهه الغضب فقال إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب ) {[1458]} ، أخرجه مسلم ، قال أبو العالية آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن هذه الآية ، وقوله { وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } .
ولما حكم سبحانه على المجادلين في آيات الله بالكفر نهى رسوله صلى الله عليه وسلم عن أن يغتر بشيء من حظوظهم الدنيوية فقال :
{ فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ } أي فلا يغررك ما يفعلونه من التجارة النافقة في البلاد ، كالشام واليمن ، وما يحصلونه من المكاسب والأرباح ، وما يجمعونه من الأموال سالمين غانمين ، فإنهم معاقبون عما قليل ، وإن أمهلوا لا يهملون ، قال الزجاج : لا يغررك سلامتهم بعد كفرهم ، فإن عاقبتهم الهلاك وهذا تسلية له صلى الله عليه وسلم ووعيد لهم ، والفاء لترتيب النهي ، أو وجوب الانتهاء على ما قبلها ، من التسجيل عليهم بالكفر ، الذي لا شيء أمقت منه عند الله ، ولا أجلب لخسران الدنيا والآخرة قرأ الجمهور : لا يغررك بفك الإدغام وقرئ بالإدغام ، وهو جواب لشرط مقدر ، أي إذا تقرر عندك أن المجادلين في آيات الله كفار فلا يغررك الخ ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.