الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{مَا يُجَٰدِلُ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَا يَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُهُمۡ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (4)

قوله تعالى : " ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا " سجل سبحانه على المجادلين في آيات الله بالكفر ، والمراد الجدال بالباطل ، من الطعن فيها ، والقصد إلى إدحاض الحق ، وإطفاء نور الله تعالى . وقد دل على ذلك في قوله تعالى : " وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق " . [ غافر :5 ] . فأما الجدال فيها لإيضاح ملتبسها ، وحل مشكلها ، ومقادحة أهل العلم في استنباط معانيها ، ورد أهل الزيغ بها وعنها ، فأعظم جهاد في سبيل الله . وقد مضى هذا المعنى في " البقرة " عند قوله تعالى : " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه " {[13356]} [ البقرة : 258 ] مستوفى . " فلا يغررك تقلبهم في البلاد " " فلا يغررك " وقرئ : " فلا يغرك " " تقلبهم " أي تصرفهم " في البلاد " فإني إن أمهلتهم لا أهملهم بل أعاقبهم . قال ابن عباس : يريد تجارتهم من مكة إلى الشام وإلى اليمن . وقيل : " لا يغررك " ما هم فيه من الخير والسعة في الرزق فإنه متاع قليل في الدنيا . وقال الزجاج : " لا يغررك " سلامتهم بعد كفرهم فإن عاقبتهم الهلاك . وقال أبو العالية : آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن : قوله : " ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا " ، وقوله : " وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد " [ البقرة : 176 ] .


[13356]:راجع ج 3 ص 283 وما بعدها طبعة أولى أو ثانية.