فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{مَا يُجَٰدِلُ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَا يَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُهُمۡ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (4)

ثم لما ذكر أن القرآن كتاب الله أنزله ؛ ليهتدي به في الدين ذكر أحوال من يجادل فيه لقصد إبطاله ، فقال : { مَا يجادل في ءايات الله إِلاَّ الذين كَفَرُواْ } أي : ما يخاصم في دفع آيات الله ، وتكذيبها إلا الذين كفروا ، والمراد : الجدال بالباطل ، والقصد إلى دحض الحقّ كما في قوله : { وجادلوا بالباطل لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق } . فأما الجدال لاستيضاح الحقّ ، ورفع اللبس ، والبحث عن الراجح ، والمرجوح ، وعن المحكم والمتشابه ، ودفع ما يتعلق به المبطلون من متشابهات القرآن ، وردّهم بالجدال إلى المحكم ، فهو من أعظم ما يتقرّب المتقرّبون ، وبذلك أخذ الله الميثاق على الذين أوتوا الكتاب ، فقال : { وَإِذْ أَخَذَ الله ميثاق الذين أُوتُواْ الكتاب لَتُبَيّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ } [ آل عمران : 187 ] ، وقال : { إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ البينات والهدى مِن بَعْدِ مَا بيناه لِلنَّاسِ فِي الكتاب أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ الله وَيَلْعَنُهُمُ اللاعنون } [ البقرة : 159 ] ، وقال : { وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتى هِي أَحْسَنُ } [ العنكبوت : 46 ] { فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي البلاد } لما حكم سبحانه على المجادلين في آيات الله بالكفر ، نهى رسوله صلى الله عليه وسلم عن أن يغترّ بشيء من حظوظهم الدنيوية ، فقال : فلا يغررك ما يفعلونه من التجارة في البلاد ، وما يحصلونه من الأرباح ، ويجمعونه من الأموال ، فإنهم معاقبون عما قليل ، وإن أمهلوا ، فإنهم لا يهملون . قال الزجاج : لا يغررك سلامتهم بعد كفرهم ، فإن عاقبتهم الهلاك . قرأ الجمهور : { لا يغررك } بفك الإدغام . وقرأ زيد بن عليّ ، وعبيد بن عمير بالإدغام .