في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{مَا يُجَٰدِلُ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَا يَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُهُمۡ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (4)

ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ، فلا يغررك تقلبهم في البلاد . كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم ، وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه ، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ، فأخذتهم ، فكيف كان عقاب ? وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار ) . .

بعد تقرير تلك الصفات العلوية ، وتقرير الوحدانية ، يقرر أن هذه الحقائق مسلمة من كل من في الوجود ، وكل ما في الوجود ، ففطرة الوجود كله مرتبطة بهذه الحقائق ، متصلة بها الاتصال المباشر ، الذي لا تجادل فيه ولا تماحل . والوجود كله مقتنع بآيات الله الشاهدة بحقيقته ووحدانيته . وما من أحد يجادل فيها إلا الذين كفروا وحدهم ، شذوذاً عن كل ما في الوجود وكل من في الوجود :

( ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ) . .

فهم وحدهم من بين هذا الوجود الهائل يشذون ؛ وهم وحدهم من بين هذا الخلق العظيم ينحرفون . وهم - بالقياس إلى هذا الوجود - أضعف وأقل من النمل بالقياس إلى هذه الأرض . وهم حين يقفون في صف يجادلون في آيات الله ؛ ويقف الوجود الهائل كله في صف معترفاً بخالق الوجود مستنداً إلى قوة العزيز الجبار . . هم في هذا الموقف مقطوع بمصيرهم ، مقضي في أمرهم ؛ مهما تبلغ قوتهم ؛ ومهما يتهيأ لهم من أسباب المال والجاه والسلطان :

( فلا يغررك تقلبهم في البلاد ) . .

فمهما تقلبوا ، وتحركوا ، وملكوا ، واستمتعوا ، فهم إلى اندحار وهلاك وبوار . ونهاية المعركة معروفة . إن كان ثمت معركة يمكن أن تقوم بين قوة الوجود وخالقه ، وقوة هؤلاء الضعاف المساكين !