اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مَا يُجَٰدِلُ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَا يَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُهُمۡ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (4)

قوله تعالى : { مَا يُجَادِلُ في آيَاتِ الله إِلاَّ الذين كَفَرُواْ } لما قرر أن القرآن كتابه أنزله ليهتدى به في الدين ذكر أقوال{[47904]} من يجادل لغرض إبطاله فقال { ما يجادل في آيات الله } أي في دفع آيات الله بالتكذيب والإنكار إلا الذين كفروا .

واعلم أن الجدالَ نوعان ، جدالٌ في تقرير الحق ، وجدالٌ في تقرير الباطل ، أما الجدال في تقرير الحق فهو حِرْفة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - قال تعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام { وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ } [ النحل : 125 ] . وحكى عن قوم نوح قولهم : { قَالُواْ يانوح قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا } [ هود : 23 ] . وأما الجدال في تقرير الباطل فهو مذموم وهو المراد بهذه الآية ، وقال - عليه الصلاة والسلام - : «إنَّ جِدَالاً في القُرْآنِ كُفْرٌ »{[47905]} وروى عمرو بنُ شُعَيْبٍ{[47906]} عن أبيه عن جده قال : «سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً يَتَمارَوْنَ فقال : إنما هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ بهذا ضربوا كتابَ الله عزّ وجلّ بعضَه ببعض ، وإنما نزل كتاب الله يُصَدِّق بعضه بعضاً فلا تكذبوا بعضَه ببعض فما علمتم منه فقُولُوه ، وما جَهْلتم فكِلُوهُ إلى عالمه »{[47907]} ، وقال تعال : { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } [ الزخرف : 58 ] وقال : { وَجَادَلُوا بالباطل لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق } [ غافر : 5 ] .

قوله «فَلاَ يَغْرُرْكَ » قرأ العامة بالفك وهي لغة الحِجَاز ، وزيدُ بنُ عليّ وعُبَيْدُ بن عُمَيْرٍ فلا يَغُرَّكَ بالإدغام مفتوح{[47908]} الراء وهي لغة تَمِيمٍ .

فصل

جدالهم في آيات الله هو قولهم مرة سحرٌ ، ومرة هو شعرٌ ، ومرة إنه قول الكهنة ، ومرة إنه أساطير الأولين ، ومرة إنه يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ، وقولهم : { مَا أَنتُمْ{[47909]} إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } [ يس : 15 ] أَأنْزِلَ عَلَيْنَا المَلاَئِكَةُ{[47910]} ، وأشباه هذا .

ثم قال : { فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي البلاد } أي لا تغترَّ بأني أمْهَلْتُهُمْ وتركتهم سالمين في أبدانهم وأموالهم يتقلبون في البلاد أي يتصرفون فيها للتجارات وطلب المعاش فإني وإن أمهلتهم فإني سآخذهم وأنتقم كما فعلت بالأمم الماضية .


[47904]:في ب: أحوال.
[47905]:الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده 2/258، 478، 494.
[47906]:ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي أبو إبراهيم المدني نزيل الطائف عن أبيه عن جده وطاوس وعنه عمرو بن دينار وقتادة وخلق مات سنة 118 هـ (انظر خلاصة الكمال 290).
[47907]:أخرجه البغوي هو وما قبله في تفسيره 6/88 وروى ما قبله عن أبي هريرة.
[47908]:ذكرها أبو حيان في البحر 7/449 والزمخشري في الكشاف بدون نسبة 3/414، 415 وهي من الشواذ.
[47909]:في ب: ما أنت بالإفراد.
[47910]:وفيها: لولا أنزل علينا الملائكة وهي الموافقة لما في المصحف.