التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَيۡنِ وَأَحۡيَيۡتَنَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَٱعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيلٖ} (11)

{ قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } هذه الآية كقوله : { وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم } [ البقرة : 28 ] فالموتة الأولى عبارة عن كونهم عدما أو كونهم في الأصلاب أو في الأرحام ، والموتة الثانية الموت المعروف والحياة الأولى حياة الدنيا ، والحياة الثانية حياة البعث في القيامة وقيل : الحياة الأولى حياة الدنيا ، والثانية الحياة في القبر ، والموتة الأولى الموت المعروف ، والموتة الثانية بعد حياة القبر ، وهذا قول فاسد لأنه لابد من الحياة للبعث فتجيء الحياة ثلاث مرات فإن قيل : كيف اتصال قولهم : { أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } بما قبله فالجواب : أنهم كانوا في الدنيا يكفرون بالبعث فلما دخلوا النار مقتوا أنفسهم على ذلك فأقروا به حينئذ ليرضوا الله بإقرارهم حينئذ فقولهم : { أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } إقرار بالبعث على أكمل الوجوه طمعا منهم أن يخرجوا عن المقت الذي مقتهم الله إذا كانوا يدعون إلى الإسلام فيكفرون .

{ فاعترفنا بذنوبنا } الفاء هنا رابطة معناها التسبب .

فإن قيل : كيف يكون قولهم أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين سببا لاعترافهم بالذنوب ؟ فالجواب : أنهم كانوا كافرين بالبعث فلما رأوا الإماتة والإحياء تكرر عليهم علموا أن الله قادر على البعث فاعترفوا بذنوبهم وهي إنكار البعث وما أوجب لهم إنكاره من المعاصي فإن من لم يؤمن بالآخرة لا يبالي بالوقوع في المعاصي .