فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَيۡنِ وَأَحۡيَيۡتَنَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَٱعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيلٖ} (11)

ثم أخبر سبحانه عما يقولون في النار ، فقال : { قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين } اثنتين في الموضعين نعتان لمصدر محذوف ، أي أمتنا إماتتين اثنتين ، وأحييتنا إحياءتين اثنتين ، والمراد بالإماتتين : أنهم كانوا نطفاً لا حياة لهم في أصلاب آبائهم ، ثم أماتهم بعد أن صاروا أحياء في الدنيا ، والمراد بالإحياءتين : أنه أحياهم الحياة الأولى في الدنيا ، ثم أحياهم عند البعث ، ومثل هذه الآية قوله : { وَكُنتُمْ أمواتا فأحياكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } [ البقرة : 28 ] . وقيل معنى الآية : أنهم أميتوا في الدنيا عند انقضاء آجالهم ، ثم أحياهم الله في قبورهم للسؤال ، ثم أميتوا ، ثم أحياهم الله في الآخرة ، ووجه هذا القول : أن الموت سلب الحياة ، ولا حياة للنطفة . ووجه القول الأوّل : أن الموت قد يطلق على عادم الحياة من الأصل ، وقد ذهب إلى تفسير الأوّل جمهور السلف . وقال ابن زيد : المراد بالآية : أنه خلقهم في ظهر آدم واستخرجهم ، وأحياهم ، وأخذ عليهم الميثاق ثم أماتهم ، ثم أحياهم في الدنيا ثم أماتهم . ثم ذكر سبحانه اعترافهم بعد أن صاروا في النار بما كذبوا به في الدنيا ، فقال حاكياً عنهم : { فاعترفنا بِذُنُوبِنَا } التي أسلفناها في الدنيا من تكذيب الرّسل ، والإشراك بالله ، وترك توحيده ، فاعترفوا حيث لا ينفعهم الاعتراف ، وندموا حيث لا ينفعهم الندم ، وقد جعلوا اعترافهم هذا مقدّمة لقولهم : { فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مّن سَبِيلٍ } أي هل إلى خروج لنا من النار ، ورجوع لنا إلى الدنيا من سبيل ، ومثل هذا قولهم الذي حكاه الله عنهم : { فَهَلْ إلى مَرَدّ مّن سَبِيلٍ } [ الشورى : 44 ] ، وقوله : { فارجعنا نَعْمَلْ صالحا } [ السجدة : 12 ] ، وقوله : { يا ليتنا نُرَدُّ } [ الأنعام : 27 ] الآية .

/خ20