النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَيۡنِ وَأَحۡيَيۡتَنَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَٱعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيلٖ} (11)

قوله عز وجل : { قالوا ربّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : أنه خلقهم أمواتاً في أصلاب آبائهم ، ثم أحياهم بإخراجهم ثم أماتهم عند انقضاء آجالهم ، ثم أحياهم للبعث ، فهما ميتتان إحداهما في أصلاب الرجال ، الثانية في الدنيا ، وحياتان : إحداهما في الدنيا والثانية في الآخرة ، قاله ابن مسعود{[2396]} وقتادة .

الثاني : أن الله أحياهم حين أخذ عليهم الميثاق في ظهر آدم قوله

{ وإذ أخذ رَبُكَ مِن ابني آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذرِيتَهُمْ }

[ الأعراف : 171 ] الآية . ثم إن اللَّه أماتهم بعد أخذ الميثاق عليهم ، ثم أحياهم حين أخرجهم ، ثم أماتهم عند انقضاء آجالهم ، ثم أحياهم للبعث فتكون حياتان وموتتان في الدنيا وحياة في الآخرة ، قاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم .

الثالث : أن الله أحياهم حين خلقهم في الدنيا ، ثم أماتهم فيها عند انقضاء آجالهم ، ثم أحياهم في قبورهم للمساءلة ، ثم أماتهم إلى وقت البعث ، ثم أحياهم للعبث ، قاله السدي{[2397]} .

{ فاعترفنا بذنوبنا } أنكروا البعث في الدنيا وأن يحيوا بعد الموت ، ثم اعترفوا في الآخرة بحياتين بعد موتتين .

{ فهل إلى خروج مِن سبيل } فيه وجهان :

أحدهما : فهل طريق نرجع فيها إلى الدنيا فنقر بالبعث ، وهو معنى قول قتادة .

الثاني : فهل عمل نخرج به من النار ، ونتخلص به من العذاب ؟ قاله الحسن .

وفي الكلام مضمر تقديره : لا سبيل إلى الخروج .


[2396]:وهو قول ابن عباس والضحاك ومثله قوله تعالى: كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم.
[2397]:إنما صار إلى هذا لأن لفظ الميت لا ينطلق في العرف على النطفة. واستدل بعض العلماء من هذا في إثبات سؤال القبر، ولو كان الثواب والعقاب للروح دون الجسد فما معنى الإحياء والإماتة؟