البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَيۡنِ وَأَحۡيَيۡتَنَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَٱعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيلٖ} (11)

{ قالوا ربنا أمتنا اثنتين } : وجه اتصال هذه بما قبلها أنهم كانوا ينكرون البعث ، وعظم مقتهم أنفسهم هذا الإنكار ، فلما مقتوا أنفسهم ورأوا حزناً طويلاً رجعوا إلى الإقرار بالبعث ، فأقروا أنه تعالى أماتهم اثنتين وأحياهم اثنتين تعظيماً لقدرته وتوسلاً إلى رضاه ، ثم أطمعوا أنفسهم بالاعتراف بالذنوب أن يردوا إلى الدنيا ، أي إن رجعنا إلى الدنيا ودعينا للإيمان بادرنا ، إليه .

وقال ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك ، وأبو مالك : موتهم كوبهم ماء في الأصلاب ، ثم إحياؤهم في الدنيا ، ثم موتهم فيها ، ثم إحياؤهم يوم القيامة .

وقال السدي : إحياؤهم في الدنيا ، ثم إماتتهم فيها ، ثم إحياؤهم في القبر لسؤال الملكين ، ثم إماتتهم فيه ، ثم إحياؤهم في الحشر .

وقال ابن زيد : إحياؤهم نسماً عند أخذ العهد عليهم من صلب آدم ، ثم إماتتهم بعد ، ثم إحياؤهم في الدنيا ، ثم إماتتهم ، ثم إحياؤهم ، فعلى هذا والذي قبله تكون ثلاثة إحياءات ، وهو خلاف القرآن .

وقال محمد بن كعب : الكافر في الدنيا حي الجسد ، ميت القلب ، فاعتبرت الحالتان ، ثم إماتتهم حقيقة ، ثم إحياؤهم في البعث ، وتقدم الكلام في أول البقرة على الإماتتين والإحياءين في قوله : { كيف تكفرون وكنتم أمواتاً } الآية ، وكررنا ذلك هنا لبعد ما بين الموضعين .

قال الزمخشري : فإن قلت : كيف صح أن يسمي خلقهم أمواتاً إماتة ؟ قلت : كما صح : سبحان من صغر جسم البعوضة وكبر جسم الفيل ، وقولك للحفار ضيق فم الركية ووسع أسفلها ، وليس ثم نقل من كبر إلى صغر ، ولا من صغر إلى كبر ، ولا من ضيق إلى سعة ، ولا من سعة إلى ضيق ، وإنما أردت الإنشاء على تلك الصفات .

والسبب في صحته أن الصغر والكبر جائزان معاً على المصنوع الواحد من غير ترجيح لأحدهما ، وكذلك الضيق والسعة ، فإذا اختار الصانع أحد الجائزين ، وهو متمكن منهما على السواء ، فقد صرف المصنوع إلى الجائز الآخر ، فجعل صرفه عنه كنقله منه . انتهى .

يعني أن خلقهم أمواتاً ، كأنه نقل من الحياة وهو الجائز الآخر .

وظاهر { فاعترفنا بذنوبنا } أنه متسبب عن قبولهم .

{ ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } ، وثم محذوف ، أي فعرفنا قدرتك على الإماتة والإحياء ، وزال إنكارنا للبعث ، { فاعترفنا بذنوبنا } السابقة من إنكار البعث وغيره .

{ فهل إلى الخروج } : أي سريع أو بطيء من النار ، { من سبيل } : وهذا سؤال من يئس من الخروج ، ولكنه تعلل وتحير .