اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَيۡنِ وَأَحۡيَيۡتَنَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَٱعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيلٖ} (11)

ثم إنه تعالى بين أن الكفار إذا خوطبوا بهذا الخطابُ قالوا : { ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين . . . . . } الآية : «اثنتين » نعت مصدر محذوف تقديره إمَاتَتَيْنِ اثْنَتَيْن{[47977]} . قال عباس وقتادة والضحاك : كانوا أمواتاً في أصلاب آبائهم فأحياهم الله في الدنيا ، ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها ، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة فهما موتان وحياتان ، وهو كقوله : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } [ البقرة : 28 ] . وقال السديّ : أميتُوا في الدنيا ثم أُحْيُوا في قبورهم للسؤال ثم أميتُوا في قبورهم ، ثم أُحْيُوا في الآخرة . وقوله { فاعترفنا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } أي من خروج من النار إلى الدنيا فنصلح ِأعمالنا ونعمل بطاعتك ، وَمَّر نظيرُ : { هَلْ إلى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ }{[47978]} [ الشورى : 44 ] والمعنى أنهم لما عرفوا أن الذي كانوا عليه في الدنيا كان فاسداً باطلاً تمنوا الرجوع إلى الدنيا ليشتغلوا بالأعمال الصالحة .

فإن قيل : الفاء في قوله : «فاعْتَرَفْنَا » يقتضي أن تكون الإماتةُ مرتين ( والإحياءُ{[47979]} مرتين ) سبباً لهذا الاعتراض فما وجه هذه السَّبَبِيَّةِ ؟ .

فالجواب : لأنهم{[47980]} كانوا منكرين البعث فلما شاهدوا هذا الأحياء بعد الإماتة مرتين لم يبق لهم عذر في الإقرار بالبعث فلا جرم وقع هذا الإقرار كالمسبب عن تلك الإماتة والإحياء .


[47977]:الرازي السابق.
[47978]:انظر هذه الأقوال كلها في تفسير البغوي 6/90، 91.
[47979]:سقط من ب.
[47980]:في ب: أنهم.