وأما قول الكفرة في الجواب { ربنا أمتنا اثنتين } أي إماتتين اثنتين { وأحييتنا } إحياءتين { اثنتين } فللعلماء في تعيين كل من الاثنتين خلاف . أما في الكشاف فذهب إلى أن الإماتتين إحداهما خلقهم أوّلاً أمواتاً ثم نطفة ثم علقة الخ كما في الآية الأخرى { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً } [ البقرة : 28 ] ونسب هذا القول إلى ابن عباس ووجهه بأنه كقولك للحفار : ضيق فم الركية ووسع أسفلها وليس ثم نقل من كبر إلى صغر أو بالعكس ، وإنما أردت الإنشاء على هذه الصفة . والسبب في صحته أن كلا النعتين جائز على المصنوع الواحد وللصانع أن يختار أحدهما . قلت : ومما يؤيد قوله أنه بدأ بالإماتة وإلا كان الأظهر أن يبدأ بالإحياء . قال : والإماتة الثانية هي التي في الدنيا والإحياءة الأولى هي التي في الدنيا ، والثانية هي التي بعد البعث . وأورد على هذا القول أنه يلزم أن لا تكون الإحياءة في القبر والإماتة فيه مذكورتين في القرآن بل تكونان منفيتين مع ورودهما في الحديث . أجاب بعضهم بأن حياة القبر والإماتة ممنوعة لأنه تعالى لم يذكرها ، والأحاديث الواردة فيها آحاد ، ولأن الذي افترسه السبع لو أعيد حياً لزم نقصان شيء من السبع وليس بمحسوس ، ولأن الذي مات لو تركناه ظاهراً بحيث يراه كل أحد لم يحس منه حياة وتجويز ذلك مع عدم الرؤية سفسطة وفتح لباب الجهالات . وزيف هذا الجواب أهل الاعتبار بأن عدم ذكر الشيء لا يدل على عدمه ، والأحاديث في ذلك الباب صحيحة مقبولة . وإذا كان الإنسان جوهراً نورانياً مشرقاً مدبراً للبدن في كل طور على حد معلوم كما ورد في الشريعة الحقة زالت سائر الإشكالات ، ولا يلزم قياس ما بعد الموت على ما قبله وللشرع في إخفاء هذه الأمور عن نظر المكلفين حكم ظاهرة حققناها لك مرات . وقال بعضهم : في الجواب هذا كلام الكفار فلا يكون حجة . وضعف بأنه لو لم يكن صادقاً لأنكر الله عليهم . وقيل : إن مقصودهم تعديد أوقات البلاء والمحنة وهي أربعة : الموتة الأولى ، والحياة في القبر ، والموتة الثانية ، والحياة في القيامة . فأما الحياة في الدنيا فإنها وقت ترفههم وتنعمهم فلهذا السبب لم يذكروها . وقيل : أهملوا ذكر حياة القبر لقصر مدتها أو لأنهم لم يموتوا بعد ذلك بل يبقون أحياء في الشقاوة حتى اتصل بها حياة القيامة وكانوا من جملة المستثنين في قوله { فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله } [ الزمر : 68 ] ولا يخفى أن أكثر هذه الأقوال متكلفة ولاسيما الأخير فإن قوله { الذين كفروا } عام . ولو فرض أنه مخصوص بكفار معهودين فتخصيصهم بالحياة في القبر حتى يكونوا من المستثنين بعيد جداً . وقد يدور في الخلد أن هذا النداء يحتمل أن يكون في القبر ، وعلى هذا لا يبقى إشكال لأن الإماتة والإحياء التي بعد ذلك تخرج من غير تكلف وثبت سؤال القبر كما جاء في الحديث والله تعالى أعلم بمراده . وقوله { فهل إلى خروج من سبيل } أي إلى نوع من الخروج والرد من القبر إلى الدنيا خروج سريع أو بطيء من سبيل قط أم اليأس الكلي واقع ، وهذا كلام من غلب عليه اليأس والقنوط .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.