غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَيۡنِ وَأَحۡيَيۡتَنَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَٱعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيلٖ} (11)

1

وأما قول الكفرة في الجواب { ربنا أمتنا اثنتين } أي إماتتين اثنتين { وأحييتنا } إحياءتين { اثنتين } فللعلماء في تعيين كل من الاثنتين خلاف . أما في الكشاف فذهب إلى أن الإماتتين إحداهما خلقهم أوّلاً أمواتاً ثم نطفة ثم علقة الخ كما في الآية الأخرى { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً } [ البقرة : 28 ] ونسب هذا القول إلى ابن عباس ووجهه بأنه كقولك للحفار : ضيق فم الركية ووسع أسفلها وليس ثم نقل من كبر إلى صغر أو بالعكس ، وإنما أردت الإنشاء على هذه الصفة . والسبب في صحته أن كلا النعتين جائز على المصنوع الواحد وللصانع أن يختار أحدهما . قلت : ومما يؤيد قوله أنه بدأ بالإماتة وإلا كان الأظهر أن يبدأ بالإحياء . قال : والإماتة الثانية هي التي في الدنيا والإحياءة الأولى هي التي في الدنيا ، والثانية هي التي بعد البعث . وأورد على هذا القول أنه يلزم أن لا تكون الإحياءة في القبر والإماتة فيه مذكورتين في القرآن بل تكونان منفيتين مع ورودهما في الحديث . أجاب بعضهم بأن حياة القبر والإماتة ممنوعة لأنه تعالى لم يذكرها ، والأحاديث الواردة فيها آحاد ، ولأن الذي افترسه السبع لو أعيد حياً لزم نقصان شيء من السبع وليس بمحسوس ، ولأن الذي مات لو تركناه ظاهراً بحيث يراه كل أحد لم يحس منه حياة وتجويز ذلك مع عدم الرؤية سفسطة وفتح لباب الجهالات . وزيف هذا الجواب أهل الاعتبار بأن عدم ذكر الشيء لا يدل على عدمه ، والأحاديث في ذلك الباب صحيحة مقبولة . وإذا كان الإنسان جوهراً نورانياً مشرقاً مدبراً للبدن في كل طور على حد معلوم كما ورد في الشريعة الحقة زالت سائر الإشكالات ، ولا يلزم قياس ما بعد الموت على ما قبله وللشرع في إخفاء هذه الأمور عن نظر المكلفين حكم ظاهرة حققناها لك مرات . وقال بعضهم : في الجواب هذا كلام الكفار فلا يكون حجة . وضعف بأنه لو لم يكن صادقاً لأنكر الله عليهم . وقيل : إن مقصودهم تعديد أوقات البلاء والمحنة وهي أربعة : الموتة الأولى ، والحياة في القبر ، والموتة الثانية ، والحياة في القيامة . فأما الحياة في الدنيا فإنها وقت ترفههم وتنعمهم فلهذا السبب لم يذكروها . وقيل : أهملوا ذكر حياة القبر لقصر مدتها أو لأنهم لم يموتوا بعد ذلك بل يبقون أحياء في الشقاوة حتى اتصل بها حياة القيامة وكانوا من جملة المستثنين في قوله { فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله } [ الزمر : 68 ] ولا يخفى أن أكثر هذه الأقوال متكلفة ولاسيما الأخير فإن قوله { الذين كفروا } عام . ولو فرض أنه مخصوص بكفار معهودين فتخصيصهم بالحياة في القبر حتى يكونوا من المستثنين بعيد جداً . وقد يدور في الخلد أن هذا النداء يحتمل أن يكون في القبر ، وعلى هذا لا يبقى إشكال لأن الإماتة والإحياء التي بعد ذلك تخرج من غير تكلف وثبت سؤال القبر كما جاء في الحديث والله تعالى أعلم بمراده . وقوله { فهل إلى خروج من سبيل } أي إلى نوع من الخروج والرد من القبر إلى الدنيا خروج سريع أو بطيء من سبيل قط أم اليأس الكلي واقع ، وهذا كلام من غلب عليه اليأس والقنوط .

/خ22