فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَيۡنِ وَأَحۡيَيۡتَنَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَٱعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيلٖ} (11)

ثم أخبر سبحانه عما يقولونه في النار فقال :

{ قَالُوا : رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ } نعتان لمصدر محذوف ، أي أمتنا إماتتين اثنتين ، وأحييتنا إحياءتين اثنتين ، والمراد بالإماتتين أنهم كانوا نطفا لا حياة لها في أصلاب آبائهم ، ثم أماتهم بعد أن صاروا أحياء في الدنيا والمراد بالإحياءتين أنه أحياهم الحياة الأولى في الدنيا ، ثم أحياهم عند البعث ، ومثل هذه الآية قوله :

{ وكُنْتُمْ أمْواتًا فأحْياكُمْ ، ثُمّ يُمِيتُكُمْ ، ثُمّ يُحْيِيكُمْ } قاله ابن مسعود ، أي كانوا أمواتا في صلب آبائهم ، ثم أخرجهم فأحياهم ، ثم أماتهم ، ثم يحييهم بعد الموت . وقيل : معنى الآية أنهم أميتوا في الدنيا عند انقضاء آجالهم ثم أحياهم الله في قبورهم للسؤال ، ثم أميتوا ثم أحياهم الله في الآخرة .

ووجه هذا القول أن الموت سلب الحياة ، ولا حياة للنطفة ، ووجه القول الأول أن الموت قد يطلق على عادم الحياة من الأصل ، وقد ذهب إلى التفسير الأول جمهور السلف ، وقال ابن زيد : المراد بالآية أنه خلقهم في ظهر آدم واستخرجهم ، وأحياهم ، وأخذ عليهم الميثاق ، ثم أماتهم ، ثم أحياهم في الدنيا ، ثم أماتهم .

وقال ابن عباس : قال كنتم ترابا قبل أن يخلقكم ، فهذه ميتة ، ثم أحياكم فخلقكم فهذه حياة ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة أخرى ، فهما موتتان وحياتان ، كقوله : { كيْف تكْفُرُون بِاللّهِ وكُنْتُمْ أمْواتًا فأحْياكُمْ } الآية .

ثم ذكر سبحانه اعترافهم بعد أن صاروا في النار بما كذبوا به في الدنيا فقال حاكيا عنهم : { فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا } التي أسلفناها في الدنيا ، من تكذيب الرسل ، والإشراك بالله ، وترك توحيده ، فاعترفوا حيث لا ينفعهم الاعتراف وندموا حيث لا ينفعهم الندم ، والمعنى لما رأوا الإماتة والإحياء قد تكررا عليهم ، علموا أن الله قادر على الإعادة كما هو قادر على الإنشاء ، فاعترفوا ، وقد جعلوا اعترافهم هذا مقدمة لقولهم : { فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ } لنا عن النار ورجوع لنا إلى الدنيا لنطيع ربنا .

{ مِنْ سَبِيلٍ } أي من طريق لنتخلص منها أم اليأس واقع دون ذلك ؟ فلا خروج ولا سبيل إليه وهذا كلام من غلب عليه اليأس ، وإنما يقولون ذلك تحيرا ، ولهذا جاء الجواب على حسب ذلك ، ومثل هذا قولهم الذي حكاه الله عنهم { فهَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ } وقوله { فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا } وقوله { يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا } الآية ؟ .