تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَا نُرۡسِلُ ٱلۡمُرۡسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَۚ وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ لِيُدۡحِضُواْ بِهِ ٱلۡحَقَّۖ وَٱتَّخَذُوٓاْ ءَايَٰتِي وَمَآ أُنذِرُواْ هُزُوٗا} (56)

ثم قال : { وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا } أي : قبل العذاب مبشرين{[18295]} من صدقهم وآمن بهم ، ومنذرين{[18296]} مَنْ كذبهم وخالفهم .

ثم أخبر عن الكفار بأنهم يجادلون بالباطل { لِيُدْحِضُوا بِهِ } أي : ليضعفوا به { الْحَقَّ } الذي جاءتهم به الرسل ، وليس ذلك بحاصل لهم . { وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا } أي : اتخذوا الحجج والبراهين وخوارق العادات التي بعث{[18297]} بها الرسل وما أنذروهم وخوفوهم به من العذاب { هُزُوًا } أي : سخروا منهم في ذلك ، وهو أشد التكذيب .


[18295]:في ت، ف، أ: "مبشرون".
[18296]:في ت، ف، أ: "ومنذرون".
[18297]:في ت، أ: "أبعث".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَا نُرۡسِلُ ٱلۡمُرۡسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَۚ وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ لِيُدۡحِضُواْ بِهِ ٱلۡحَقَّۖ وَٱتَّخَذُوٓاْ ءَايَٰتِي وَمَآ أُنذِرُواْ هُزُوٗا} (56)

بعْد أن أشار إلى جدالهم في هدى القرآن بما مهد له من قوله : { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } [ الكهف : 54 ] . وأشار إلى أن الجدال فيه مجرد مكابرة وعناد ، وأنه لا يحف بالقرآن ما يمنع من الإيمان به كما لم يحف بالهدى الذي أرسل إلى الأمم ما يمنعهم الإيمان به ، أعقب ذلك بأن وظيفة الرسل التبليغ بالبشارة والنذارة لا التصدي للجادلة ، لأنها مجادلة لم يقصد منها الاسترشاد بل الغاية منها إبطال الحق .

والاستثناء من أحوال عامة محذوفة ، أي ما نرسل المرسلين في حال إلا في حال كونهم مبشرين ومنذرين . والمراد بالمرسلين جميع الرسل .

وجملة { ويجادل الذين كفروا بالباطل } عطف على جملة { وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين } . وكلتا الجملتين مرتبط بجملتي { ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } [ الكهف : 54 ] . وترتيب هذه الجمل في الذكر جار على ترتيب معانيها في النفس بحيث يشعر بأن كل واحدة منها ناشىء معناها على معنى التي قبلها ، فكانت جملة { ويجادل الذين كفروا بالباطل } مفيدة معنى الاستدراك ، أي أرسلنا الرسل مبشرين ومنذرين بما فيه مقنع لطالب الهدى ، ولكن الذين كفروا جادلوه بالباطل لإزالة الحق لا لقصد آخر . واختيار فعل المضارعة للدلالة على تكرر المجادلة ، أو لاستحضار صورة المجادلة .

والمجادلة تقدمت في قوله تعالى : { يجادلنا في قوم لوط } في سورة هود ( 74 ) .

والإدحاض : الإزلاق ، يقال : دَحَضَتْ القدم ، إذا زَلّت ، وهو مجاز في الإزالة ، لأن الرجل إذا زلقت زَالت عن موضع تخطيها ، قال تعالى : { فساهم فكان من المدحضين } [ الصافات : 141 ] .

وجملة { واتخذوا آياتي } عطف على جملة { ويجادل } فإنهم ما قصدوا من المجادلة الاهتداء ، ولكن أرادوا إدحاض الحق واتخاذ الآيات كلها وبخاصة آيات الإنذار هزؤا .

والهُزُو : مصدر هَزَا ، أي اتخذوا ذلك مستهزأً به . والاستهزاء بالآيات هو الاستهزاء عند سماعها ، كما يفعلون عند سماع آيات الإخبار بالبعث وعند سماع آيات الوعيد والإنذار بالعذاب .

وعطفُ { وما أنذروا } على « الآيات » عطف خاص على عام لأنه أبلغ في الدلالة على توغل كفرهم وحماقة عقولهم .

{ وما أنذروا } مصدرية ، أي وإنذارهم والإخبار بالمصدر للمبالغة .

وقرأ الجمهور { هزءاً } بضم الزاي . وقرأه حمزة { هُزْءاً } بسكون الزاي .