تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَوۡلِهِمۡ إِنَّا قَتَلۡنَا ٱلۡمَسِيحَ عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُۚ مَا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٍ إِلَّا ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينَۢا} (157)

وقولهم : { إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ } أي{[8554]} هذا الذي يدعي لنفسه هذا{[8555]} المنصب قتلناه . وهذا منهم من باب التهكم والاستهزاء ، كقول المشركين : { يَا أَيُّهَا الَّذِي نزلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } [ الحجر : 6 ] .

وكان من خبر اليهود - عليهم لعائن الله وسخطه وغضبه وعقابه - أنه لما بعث الله عيسى ابن مريم بالبينات والهدى ، حسدوه على ما آتاه الله من النبوة والمعجزات الباهرات ، التي كان يبرئ بها الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله ، ويصور من الطين طائرًا ثم ينفخ فيه فيكون طائرًا يشاهَدُ طيرانه بإذن الله ، عز وجل ، إلى غير ذلك من المعجزات التي أكرمه الله بها وأجراها على يديه ، ومع هذا كذبوه وخالفوه ، وسَعَوْا في أذاه بكل ما أمكنهم ، حتى جعل نبي الله عيسى ، عليه السلام ، لا يساكنهم في بلدة ، بل يكثر السياحة هو وأمه ، عليهما السلام ، ثم لم يقنعهم ذلك حتى سعوا إلى ملك دمشق في ذلك الزمان - وكان رجلا مشركًا من عبدة الكواكب ، وكان يقال لأهل ملته : اليونان - وأنهوا إليه : أن ببيت المقدس رجلا يفتن الناس ويضلهم ويفسد على الملك رعاياه . فغضب{[8556]} الملك من هذا ، وكتب إلى نائبه بالقدس أن يحتاط على هذا المذكور ، وأن يصلبه ويضع الشوك على رأسه ، ويكف أذاه على الناس . فلما وصل الكتاب امتثل مُتَولِّي بيت المقدس{[8557]} ذلك ، وذهب هو وطائفة من اليهود إلى المنزل الذي فيه عيسى ، عليه السلام ، وهو في جماعة من أصحابه ، اثنا عشر أو ثلاثة عشر - وقيل : سبعة عشر نفرًا - وكان ذلك يوم الجمعة بعد العصر ليلة السبت ، فحصروه هنالك . فلما أحس بهم وأنه لا محالة من دخولهم عليه ، أو خروجه عليهم قال لأصحابه : أيكم يُلْقَى عليه شبهي ، وهو رفيقي في الجنة ؟ فانتَدَب لذلك شاب منهم ، فكأنه استصغره عن ذلك ، فأعادها ثانية وثالثة وكل ذلك لا يَنْتَدبُ إلا ذلك الشاب - فقال : أنت هو - وألقى اللهُ عليه شبه عيسى ، حتى كأنه هو ، وفُتحَت رَوْزَنَة من سقف البيت ، وأخذت عيسى عليه السلام سِنةٌ من النوم ، فرفع إلى السماء وهو كذلك ، كما قال [ الله ]{[8558]} تعالى : { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ]{[8559]} } الآية [ آل عمران : 55 ] .

فلما رفع خرج أولئك النفر فلما رأى أولئك ذلك الشاب ظنوا أنه عيسى ، فأخذوه في الليل وصلبوه ، ووضعوا الشوك على رأسه ، فأظهر اليهود أنهم سعوا في صلبه وتبجحوا بذلك ، وسلم لهم طوائف من النصارى ذلك لجهلهم وقلة عقلهم ، ما عدا من كان في البيت مع المسيح ، فإنهم شاهدوا رفعه ، وأما الباقون فإنهم ظنوا كما ظن اليهود أن المصلوب هو المسيح{[8560]} ابن مريم ، حتى ذكروا أن مريم جلست تحت ذلك المصلوب وبكت ، ويقال : إنه خاطبها ، والله{[8561]} أعلم .

وهذا كله من امتحان الله عباده ؛ لما له في ذلك من الحكمة البالغة ، وقد أوضح{[8562]} الله الأمر وجلاه وبينه وأظهره في القرآن العظيم ، الذي أنزله على رسوله الكريم ، المؤيد بالمعجزات والبينات والدلائل الواضحات ، فقال تعالى - وهو أصدق القائلين ، ورب العالمين ، المطلع على السرائر والضمائر ، الذي يعلم السر في السموات والأرض ، العالم بما كان وما يكون ، وما لم يكن لو كان كيف{[8563]} يكون - : { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } أي : رأوا شبهه فظنوه إياه ؛ ولهذا قال : { وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ [ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ]{[8564]} } يعني بذلك : من ادعى قتله من اليهود ، ومن سَلَّمه من جهال النصارى ، كلهم في شك من ذلك وحيرة وضلال وسُعُر . ولهذا قال : { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا } أي : وما قتلوه متيقنين أنه هو ، بل شاكين متوهمين .


[8554]:بعدها في أ: "وبدعواهم البهتان والكذب والإفك والعدوان في قولهم: "إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله".
[8555]:في ر: : ذلك".
[8556]:في أ: "فغضب ذلك".
[8557]:في ر، أ: "متولي البلد".
[8558]:زيادة من، أ.
[8559]:زيادة من ر، أ.
[8560]:في أ: "هو عيسى".
[8561]:في د، ر، أ: "فالله".
[8562]:في ر: "وضح".
[8563]:في ر، أ: "كيف كان يكون".
[8564]:زيادة من أ.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَوۡلِهِمۡ إِنَّا قَتَلۡنَا ٱلۡمَسِيحَ عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُۚ مَا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٍ إِلَّا ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينَۢا} (157)

{ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولَ الله وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ولكن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الذين اختلفوا فِيهِ لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتباع الظن }

قولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم ، فَمحلّ المؤاخذة عليهم منه : هو أنّهم قصدوا أن يعدّوا هذا الإثم في مفاخر أسلافهم الراجعة إلى الإخلاف بالعهد المبيّن في سبيل نصر الدين .

والمسيح كان لَقباً لعيسى عليه السلام لقَّبه به اليهود تهكّماً عليه : لأنّ معنى المسيح في اللغة العبرية بمعنى المَلِك ، كما تقدّم في قوله تعالى : { اسمه المسيح عيسى ابن مريم } في سورة آل عمران ( 45 ) ، وهو لقب قصدوا منه التهكّم ، فصار لقباً له بينهم . وقلب الله قصدهم تحقيره فجعله تعظيماً له . ونظيره ما كان يطلق بعض المشركين على النبي محمّد اسم مذمَّم ، قالت امرأة أبي لهب : مذمَّماً عصينا ، وأمره أبينا . فقال النبي ألا تعجبون كيف يصرف الله عنّي شتم قريش ولعنهم ، يشتمون ويلعنون مذمّماً وأنا محمد .

وقوله : { رسول الله } إن كان من الحكاية : فالمقصود منه الثناء عليه والإيمان إلى أنّ الذين يتبجّحون بقتله أحرياء بما رتّب لهم على قولهم ذلك ، فيكون نصبُ { رسول الله } على المدح ، وإن كان من المحكي : فوصفهم إيّاه مقصود منه التهكّم ، كقول المشركين للنبيء صلى الله عليه وسلم { يَأيّها الذي نُزّل عَلَيْهِ الذكر إنَّكَ لمجْنون } [ الحجر : 6 ] وقول أهل مدين لشعيب

{ أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنَّك لأنْتَ الحليمُ الرشيد } [ هود : 87 ] فيكون نصب « رسول الله » على النعت للمسيح .

وقوله { وما قتلوه } الخ الظاهر أنّ الواو فيه للحال ، أي قولهم ذلك في حال أنّهم ما قتلوه ، وليس خبراً عن نفي القتل لأنَّه لو كان خبراً لاقتضى الحال تأكيده بمؤكّدات قويَّة ، ولكنَّه لمّا كان حالاً من فاعل القول المعطوف على أسباب لعنهم ومؤاخذتهم كانت تلك الأسباب مفيدة ثبوت كذبهم ، على أنّه يجوز كونه خبراً معطوفاً على الجمل المخبر بها عنهم ، ويكون تجريده من المؤكّدات : إمَّا لاعتبار أنّ المخاطب به هم المؤمنون ، وإمَّا لاعتبار هذا الخبر غنيّاً عن التأكيد ، فيكون ترك التأكيد تخريجاً على خلاف مقتضى الظاهر ، وإمّا لكونه لم يُتلقّ إلاّ من الله العالم بخفيّات الأمور فكان أعظم من أن يؤكّد .

وعطف { وما صلبوه } لأنّ الصلب قد يكون دون القتل ، فقد كانوا ربما صلبوا الجاني تعذيباً له ثم عفوا عنه ، وقال تعالى : { إنَّما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله . . . أن يُقتَّلوا أو يصلَّبوا } [ المائدة : 33 ] . والمشهور في الاستعمال : أنّ الصلب هو أن يوثق المعدود للقتل على خشبة بحيث لا يستطيع التحرّك ثم يطعن بالرمح أو يرمى بسهم ، وكذلك كانوا يزعمون أنّ عيسى صلب ثم طعن برمح في قلبه .

وجملة { ولكن شبَّه لهم } استدراك ، والمستدرك هو ما أفاده { وما قتلوه } من كون هذا القول لا شبهة فيه . وأنَّه اختلاق محض ، فبيّن بالاستدراك أنّ أصل ظنّهم أنّهم قتلوه أنّهم توهّموا أنّهم قتلوه ، وهي شبهة أوهمت اليهود أنّهم قتلوا المسيح ، وهي ما رَأوه ظاهراً من وقوع قتل وصلْب على ذات يعتقدونها ذات المسيح ، وبهذا وردت الآثار في تأويل كيفيَّة معنى الشبه .

وقوله : { شبّه لهم } يحتمل أن يكون معناه : أنّ اليهود الَّذِين زعموا قتْلَهم المسيحَ في زمانهم قد شُبّه لهم مُشبَّه بالمسيح فقتلوه ، وَنجَّى الله المسيح من إهانة القتل ، فيكون قوله : { شبِّه } فعلاً مبْنيّاً للمجهول ، مشتقّاً من الشبه ، وهو المماثلة في الصورة . وحذف المفعول الذي حقّه أن يكون نائب فاعل ( شبّه ) للدلالة فعل ( شبّه ) عليه ؛ فالتقدير : شبِّه مشبَّه فيكون « لهم » نائباً عن الفاعل . وضمير ( لهم ) على هذا الوجه عائد إلى الذين قالوا : { إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم } وهم يهود زمانه ، أي وقعت لهم المشابهة ، واللام على هذا بمعنى عند كما تقول : حصل لي ظنّ بكذا . والاستدراك بيِّن على هذا الاحتمال . ويحتمل أن يكون المعنى ولكن شبّه لليهود الأولين والآخرين خبر صلب المسيح ، أي اشتبه عليهم الكذب بالصدق ، فيكون من باب قول العرب : خُيِّل إليك ، واختُلِط على فلان . وليس ثمّة شبيه بعيسى ولكن الكذب في خبره شبيه بالصدق ، واللام على هذا لام الأجل : أي لُبس الخبرُ كذبُه بالصدق لأجْلهم ، أي لتضليلهم ، أي أنّ كبراءهم اختلقوه لهم ليبردوا غليلهم من الحَنَق على عيسى إذ جاء بإبطال ضلالاتهم .

أو تكون اللام بمعنى على للاستعلاء المجازي ، كقوله تعالى : { وإن أسأتم فلها } [ الإسراء : 7 ] . ونكتة العدول عن حرف على تضمين فعل شُبّه معنى صُنع ، أي صنع الأحبار هذا الخبر لأجل إدخال الشبهة على عامّتهم .

وفي الأخبار أنّ ( يهوذا الاسخريوطي ) أحد أصحاب المسيح ، وكان قد ضلّ ونافق ، هو الذي وشى بعيسى عليه السلام وهُو الذي ألْقَى الله عليه شبهَ عيسى ، وأنَّه الذي صُلب ، وهذا أصله في إنجيل برنابي أحد تلاميذ الحواريين ، وهذا يلائم الاحتمال الأول .

ويقال : إنّ ( بيلاطس ) ، وَاليَ فلسطين ، سئل في رومة عن قضية قتل عيسى وَصَلبه فأجاب بأنّه لا عِلم له بشيء من هذه القضية ، فتأيّد بذلك اضطراب النّاس في وقوع قتله وصلبه ، ولم يقع ، وإنَّما اختلق اليهود خبره ، وهذا يلائم الاحتمال الثاني .

والّذي يجب اعتقاده بنصّ القرآن : أنّ المسيح لم يُقتل ، ولا صُلب ، وأنّ الله رَفَعَه إليه ونجّاه من طالبيه ، وأمَّا ما عدا ذلك فالأمر فيه محتمل . وقد تقدّم الكلام في رفعه في قوله تعالى : { إنّي متوفّيك ورافعك إلَيّ } في سورة آل عمران [ 55 ] وقوله : { وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه } يدلّ على وقوع خلاف في شأن قتل المسيح . والخلافُ فيه موجود بين المسيحيين : فجمهورهم يقولون : قتلته اليهود ، وبعضهم يقول : لم يقتله اليهود ، ولكن قتلوا يهوذا الاسخريوطي الذي شبّه لهم بالمسيح ، وهذا الاعتقاد مسطور في إنجيل برنابي الذي تعتبره الكنيسية اليوم كتاباً محرّفاً فالمعنى أنّ معظم النّصارى المختلفين في شأنه غير مؤمنين بصلبه ، بل يخالج أنفسهم الشكّ ، ويتظاهرون باليقين ، وما هو باليقين ، فما لهم به من علم قاطع إلاّ اتّباع الظنّ . فالمراد بالظنّ هنا : معنى الشكّ ، وقد أطلق الظنّ على هذا في مواضع كثيرة من كلام العرب ، وفي القرآن { إنّ بعض الظنّ إثم } [ الحجرات : 12 ] ، وفي الحديث الصحيح : « إيَّاكم والظنّ فإنّ الظنّ أكْذَبُ الحديث » فالاستثناء في قوله { إلاّ اتّباع الظنّ } مُنقطع ، كقول النابغة :

حَلفت يميناً غير ذي مثنوية *** ولا عِلْمَ إلاّ حُسنَ ظنّ بصَاحب

يجوزُ أن يكون معطوفاً على قوله : { وما قتلوه وما صلبوه } ويجُوز أن يعطف على قوله : { مالهم به من علم } .

واليقين : العلم الجازم الذي لا يحتمل الشكّ ، فهو اسمُ مصدر ، والمصدر اليَقَن بِالتحريك ، يقال : يَقِن كفرح يَيْقَن يَقَنا ، وهو مصدر قليل الاستعمال ، ويقال : أيقن يُوقن إيقاناً ، وهو الشائع .

وقوله { يقيناً } يجوز أن يكون نصب على النيابة عن المفعول المطلق المؤكِّد لمضمون جملة قبله : لأنّ مضمون : { وما قتلوه يقينا } بعد قوله : { وقولهم إنّا قتلنا المسيح } إلى قوله { وما قتلوه وما صلبوه ولكنّ شبّه لهم } يدلّ على أنّ انتفاء قتلهم إيّاه أمر متيقّن ، فصحّ أن يكون يقيناً مؤكّداً لهذا المضمون .

ويصحّ أن يكون في موضع الحال من الواو في { قتلوه } ، أي ما قتلوه متيقّنين قتْلَه ، ويكون النفي منصبّاً على القيد والمقيّد معاً ، بقرينة قوله قبله { ومَا قتلوه وما صلبوه } ، أي : هم في زعمهم قتْله ليسوا بمُوقنين بذلك للاضطراب الذي حصل في شخصه حينَ إمساك من أمسكوه ، وعلى هذا الوجه فالقتل مستعمل في حقيقته . وضمير النصب في { قتلوه } عائد إلى عيسى ابن مريم عليه السلام .

ويجوز أن يكون القتل مستعملاً مجازاً في التمكّن من الشيء والتغلّب عليه كقولهم : قَتَلَ الخمرَ إذا مزجها حتّى أزال قُوّتَها ، وقولهم : قَتَل أرضاً عالِمُها ، ومن شعر « الحماسة » في بَاب الهجاء :

َروعك من سعدِ ابن عمرو جُسومها *** وتزهَد فيها حين تقتلُهَا خُبْراً

وقول الشاعر :

كذلِكَ تخبر عنهَا العالمات بها *** وقد قَتَلْتُ بعلمي ذلكم يَقَنا

وقول الآخر :

قتلتني الأيام حين قتلتها *** خبُرا فأبْصِرْ قَاتلاً مقتولاً

وضمير النصب في { قتلوه } عائد إلى العلم من قوله تعالى { ما لهم به من علم } ، فيكون { يقيناً } على هذا تمييزاً لنسبة ( قتلوه ) .