غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَقَوۡلِهِمۡ إِنَّا قَتَلۡنَا ٱلۡمَسِيحَ عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُۚ مَا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٍ إِلَّا ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينَۢا} (157)

153

{ وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله } قالوه على وجه الاستهزاء كقول فرعون { إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون }[ الشعراء :27 ] أو أنه تعالى جعل الذكر الحسن مكان القبيح الذي كانوا يطلقونه عليه من الساحر ابن الساحرة والفاعل ابن الفاعلة . { وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه } أي المقتول { لهم } لدلالة ذكر قتلنا على المقتول ، أو يكون شبه مسنداً إلى الجار والمجرور وهولهم أي وقع لهم التشبيه ، ولا يجوز أن يكون في شبه ضمير المسيح لأنه المشبه به وليس بمشبه . قال أكثر المتكلمين : إن اليهود لما قصدوا قتله رفعه الله إلى السماء فخاف رؤساء اليهود وقوع الفتنة فيما بين عوامهم فأخذوا إنساناً وقتلوه وصلبوه ولبَّسوا على الناس أنه هو المسيح ، والناس ما كانوا يعرفون المسيح ، إلاّ بالاسم لأنه كان قليل المخالطة مع الناس .

وقيل : إن اليهود لما علموا أنه في البيت الفلاني مع أصحابه ، أمر يهوذا رأس اليهود رجلاً من أصحابه يقال له طيطايوس أن يدخل على عيسى ويخرجه ليقتله ، فلما دخل عليه أخرج الله تعالى عيسى من سقف البيت وألقى على ذلك الرجل شبه عيسى فخرج فظنوا أنه هو المسيح فصلبوه وقتلوه . وقيل : وكلوا بعيسى عليه السلام رجلاً يحرسه وصعد عيسى في الجبل ورفع إلى السماء وألقى الله الشبه على ذلك الرقيب فقتلوه وهو يقول لست عيسى . وقيل إن رهطاً من اليهود سبوه وسبوا أمه فدعا عليهم : اللهم أنت ربي وبكلمتك خلقتني ، اللهم العن من سبني وسب والدتي . فمسخ الله من سبهما قردة وخنازير ، فأجمعت اليهود على قتله فلما هموا بأخذه وكان معه عشرة من أصحابه قال لهم : من يشتري الجنة بأن يلقى عليه شبهي ؟ فقال واحد منهم : أنا فألقى الله شبه عيسى عليه فأخرج وقتل ورفع الله عيسى . وقيل : كان رجل يدعي أنه من أصحاب عيسى وكان منافقاً ، فذهب إلى اليهود ودلهم عليه فلما دخل مع اليهود لأخذه ألقى الله شبهه عليه فقتل وصلب . { وإنّ الذين اختلفوا فيه لفي شك منه } قيل : إن المختلفين هم اليهود لما قتلوا الشخص المشبه ونظروا إلى بدنه قالوا : الوجه وجه عيسى والجسد جسد غيره . وقال السبكي : لما قتلوا اليهودي المشبه مكانه قالوا : إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا ، وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى ؟ وقيل : إن المختلفين هم النصارى وذلك أنهم بأسرهم متفقون على أن اليهود قتلوه إلا أن كبار فرق النصارى ثلاثة : النسطورية والملكانية واليعقوبية . فالنسطورية زعموا أن المسيح صلب من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته وهو قريب من قول الحكماء إنّ القتل والموت يرد على الهيكل لا على النفس المجردة ، وعلى هذا فالفرق بين عيسى وبين سائر المصلوبين أن نفسه كانت قدسية علوية مشرقة قريبة من عالم الأرواح فلم يعظم تألمها بسبب القتل وتخريب البدن . وقالت الملكانية : القتل والصلب وصل إلى اللاهوت بالإحساس والشعور لا بالمباشرة . وقالت اليعقوبية : القتل والصلب وقع للمسيح الذي هو جوهر متولد من جوهرين ، والشك في الأحكام استواء طرفي نقيضه عند الذاكر وقد يطلق عليه الظن وبهذا ذم في قوله : { ما لهم به من علم إلا إتباع الظن } وأما العمل بالقياس فليس من إتباع الظن في شيء لأنه عمل بالطرف الراجح ، ولأن العلم بوجوب العمل قطعي . ثم قال : { وما قتلوه يقيناً } وإنه يحتمل عدم يقين القتل أي قتلاً يقيناً أو متيقنين . واليقين عقد جازم مطابق ثابت لدليل ويحتمل يقين عدم القتل على أن { يقيناً } تأكيد لقوله : { وما قتلوه } أي حق انتفاء قتله حقاً وهذا أولى لقوله :

/خ169