تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِينَةٗ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَيُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗا} (7)

ثم أخبر تعالى أنه جعل الدنيا دارًا فانية مُزيَّنة بزينة زائلة . وإنما جعلها دار اختبار لا دار قرار ، فقال : { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا } .

قال قتادة ، عن أبي نَضْرة ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الدنيا خضرة حلوة{[17976]} وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون ، فاتقوا الدنيا{[17977]} ، واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " {[17978]}


[17976]:في ف، أ: "حلوة خضرة".
[17977]:في أ: "يعلمون، واتقوا الدنيا".
[17978]:ورواه مسلم في صحيحه برقم (2742) من طريق أبي مسلمة عن أبي نضرة به.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِينَةٗ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَيُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗا} (7)

وقوله { إنا جعلنا ما على الأرض زينة } ، الآية بسط في التسلية أي لا تهتم للدنيا وأهلها فأمرها وأمرهم أقل بفنائه وذهابه ، فإنا إنما جعلنا ما على الأرض زينة وامتحاناً وخبرة ، واختلف في المراد ، ب { ما } ، فقال ابن جبير عن ابن عباس : أراد الرجال وقاله مجاهد ، وروى عكرمة عن ابن عباس أن الزينة الخلفاء والعلماء والأمراء ، وقالت فرقة أراد النعم والملابس والثمار والخضرة والمياه ، ونحو هذا مما فيه زينة ، ولم يدخل في هذا الجبال الصم وكلا ما لا زين فيه كالحيات والعقارب ، وقالت فرقة : أراد كل ما على الأرض عموماً وليس شيء إلا فيه زينة من جهة خلقه وصنعته وإحكامه . وفي معنى هذه الآية ، قول النبي عليه السلام : «الدنيا خضرة حلوة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء »{[7746]} و { زينة } مفعول ثاني أو مفعول من أجله بحسب معنى «جعل »{[7747]} . وقوله { لنبلوهم أيهم أحسن عملاً } أي لنختبرهم وفي هذا وعيد ما ، قال سفيان الثوري : { أحسنهم عملاً } أزهدهم فيها ، وقال أبو عاصم العسقلاني : أحسن عملاً : أترك لها .

قال القاضي أبو محمد : وكان أبي رضي الله عنه يقول : أحسن العمل أخذ بحق واتفاق في حق مع الإيمان وأداء الفرائض واجتناب المحارم ، والإكثار من المندوب إليه .


[7746]:أخرجه الترمذي في الفتن والزهد، وابن ماجه في الفتن، والدارمي في الرقاق، وأحمد في مسنده (3-7، 19، 33، 36، 61، 74، 6-68). ولفظه كما في مسند أحمد (3-19)، عن أبي سعيد الخدري، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة بعد العصر إلى مغيربان الشمس، حفظها، ونسيها منا من نسي، فحمد الله – قال عقان وقال حماد: وأكثرحفظي أنه قال: بما هو كائن إلى يوم القيامة – فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن الدنيا خضرة حلوة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، ألا فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى، منهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت مؤمنا، ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت كافرا، ومنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت كافرا، ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت مؤمنا، ألا إن الغضب جمرة توقد في جوف ابن آدم، ألا ترون إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه؟ فإذا وجد أحدكم شيئا من ذلك فالأرض الأرض، ألا إن خير الرجال من كان بطيء الغضب سريع الرضا، وشر الرجال من كان سريع الغضب بطيء الرضا، فإذا كان الرجل بطيء الغضب بطيء الفيء وسريع الغضب وسريع الفيء فإنها بها. ألا إن خير التجار من كان حسن القضاء حسن الطلب، وشر التجار من كان سيء القضاء سيىء الطلب، أو كان سيئ القضاء حسن الطلب فإنها بها، ألا إن لكل غادر لواء يوم القيامة بقدر غدرته، ألا وأكبر الغدر غدر أمير عامة. ألا لا يمنعن رجلا مهابة الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه، ألا إن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر. فلما كان عند مغيربان الشمس قال: ألا إن مثل ما بقي من الدنيا فيما مضى منها مثل ما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه.
[7747]:تكون مفعولا ثانيا إذا كانت (جعل) بمعنى: صير. وتكون مفعولا من أجله إذا كانت (جعل) بمعنى: خلق وأوجد، ويجوز في هذه الحالة أيضا أن تكون حالا.