البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِينَةٗ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَيُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗا} (7)

وارتباط قوله { إنّا جعلنا } الآية بما قبلها هو على سبيل التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم لأنه تعالى أخبر أنه خلق ما على الأرض من الزينة للابتلاء والاختبار أي الناس { أحسن عملاً } فليسوا على نمط واحد في الاستقامة واتباع الرسل ، بل لا بد أن يكون فيهم من هو أحسن عملاً ومن هو أسوأ عملاً ، فلا تغتم وتحزن على من فضلت عليه بأنه يكون أسوأ عملاً ومع كونهم يكفرون بي لا أقطع عنهم موادّ هذه النعم التي خلقتها .

و { جعلنا } هنا بمعنى خلقنا ، والظاهر أن ما يراد بها غير العاقل وأنه يراد به العموم فيما لا يعقل .

و { زينة } كل شيء بحسبه .

وقيل : لا يدخل في ذلك ما كان فيه إيذاء من حيوان وحجر ونبات لأنه لا زينة فيه ، ومن قال بالعموم قال فيه { زينة } من جهة خلقه وصنعته وإحكامه .

وقيل : المراد بما هنا خصوص ما لا بعقل .

فقيل : الأشجار والأنهار .

وقيل : النبات لما فيه من الاختلاف والأزهار .

وقيل : الحيوان المختلف الأشكال والمنافع والأفعال .

وقيل : الذهب والفضة والنحاس والرصاص والياقوت والزبرجد والجوهر والمرجان وما يجري مجرى ذلك من نقائس الأحجار .

وقال الزمخشري : { ما على الأرض } يعني ما يصلح أن يكون { زينة لها } ولأهلها من زخارف الدنيا وما يستحسن منها .

وقالت : فرقة أراد النعيم والملابس والثمار والخضرة والمياه .

وقيل : { ما } هنا لمن يعقل ، فعن مجاهد هو الرجال وقاله ابن جبير عن ابن عباس وروى عكرمة أن الزينة الخلفاء والعلماء والأمراء .

وانتصب { زينة } على الحال أو على المفعول من أجله إن كان { جعلنا } بمعنى خلقنا ، وأوجدنا ، وإن كانت بمعنى صيرنا فانتصب على أنه مفعول ثان .

واللام من { لنبلوهم } تتعلق بجعلنا ، والابتلاء الاختبار وهو متأوّل بالنسبة إلى الله تعالى .

والضمير في { لنبلوهم } إن كانت ما لمن يعقل فهو عائد عليها على المعنى ، وأن لا يعود على ما يفهم من سياق الكلام وهو سكان الأرض المكلفون و { أيهم } يحتمل أن يكون الضمير فيها إعراباً فيكون { أيهم } مبتدأ و { أحسن } خبره .

والجملة في موضع المفعول { لنبلوهم } ويكون قد علق { لنبلوهم } إجراءً لها مجرى العلم لأن الابتلاء والاختبار سبب للعلم ، كما علقوا سل ، وانظر البصرية لأنهما سببان للعلم . وإلى أن الجملة استفهامية مبتدأ وخبر ذهب الحوفي ، ويحتمل أن تكون الضمة فيها بناء على مذهب سيبويه لوجود شرط جواز البناء في أي .

وهو كونها مضافة قد حذف صدر صلتها ، فأحسن خبر مبتدأ محذوف فتقديره هو { أحسن } ويكون { أيهم } في موضع نصب بدلاً من الضمير في { لنبلوهم } ، والمفضل عليه محذوف تقديره ممن ليس { أحسن عملاً } .

وقال الثوري أحسنهم عملاً أزهدهم فيها .

وقال أبو عاصم العسقلاني : أََترك لها .

وقال الزمخشري : حسن العمل الزهد فيها وترك الاغترار بها .

وقال أبو بكر غالب بن عطية : أحسن العمل أخذ بحق مع الإيمان وأداء الفرائض واجتناب المحارم والإكثار من المندوب إليه .

وقال الكلبي : أحسن طاعة .

وقال القاسم بن محمد ما عليها من الأنبياء والعلماء ليبلوَ المرسل إليهم والمقلدين للعلماء أيهم أحسن قبولاً وإجابة .

وقال سهل : أحسن توكلاً علينا فيها .

وقيل : أصفى قلباً وأحسن سمتاً .

وقال ابن إسحاق : أيهم أتبع لأمري وأعمل بطاعتي .