الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِينَةٗ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَيُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗا} (7)

قوله تعالى : { زِينَةً } : يجوز أَنْ ينتصِبَ على المفعولِ له ، وأن يتنصِبَ على الحالِ إنْ جَعَلْتَ " جَعَلْنا " بمعنى خَلَقْنا ، ويجوز ان يكونَ مفعولاً ثانياً إنْ كانَتْ " جَعَلَ " تصييريةً و " لها " متعلقٌ ب " زِيْنةً " على العلةِ ، ويجوز أَنْ تكونَ اللامُ زائدةً في المفعول ، ويجوز أنْ تتعلَّقَ بمحذوفٍ صفةً ل " زينة " .

قوله : " لِنَبْلُوَهُمْ " متعلقٌ ب " جَعَلْنا " بمعنييه .

قوله : " أيُّهم أحسنُ " يجوز في " أيُّهم " وجهان ، أحدهما : أن تكونَ استفهاميةً مرفوعةً بالابتداء ، و " أحسنُ " خبرُها . والجملةُ في محلِّ نصبٍ معلَّقَةٌ ل " نَبْلُوَهم " لأنه سببُ العلم كالسؤال والنظر . والثاني : أنها موصولةٌ بمعنى الذي " وأحسنُ " خبرُ مبتدأ مضمرٍ ، والجملةُ صلةٌ ل " أيُّهم " ، ويكون هذا الموصولُ في محلِّ نصبٍ بدلاً مِنْ مفعول " لنبلوَهم " تقديرُه : لِنَبْلُوَ الذي هو أحسنُ . وحينئذٍ تحتمِل الضمةُ في " أيُّهم " ، ان تكونَ للبناء كهي في قولِه تعالى : { لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ }

[ مريم : 69 ] على أحدِ الأقوالِ ، وفي قوله :

إذا ما أَتَيْتَ بني مالكٍ *** فَسَلِّمْ على أَيُّهم أَفْضَلُ

وشرطُ البناءِ موجودٌ ، وهو الإِضافةُ لفظاً ، وحَذْفُ صدرِ الصلةِ ، وهذا مذهبُ سيبويه ، وأن تكونَ للإِعراب لأنَّ البناءَ جائزٌ لا واجبٌ . ومن الإِعراب ما قُرِئ به شاذاً { أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ } [ مريم : 69 ] وسيأتي إنْ شاء الله تحقيقُ هذا في مريم .

والضمير في " لِنَبْلُوَهم " و " أيُّهم " عائدٌ على ما يُفْهَمُ من السِّياق ، وهم سكانُ الأرض . وقيل : يعودُ على ما على الأرضِ إذا أُريد بها العقلاء . وفي التفسير : المرادُ بذلك الرُّعاة : وقيل : العلماءُ والصُّلحاءُ والخُلفاء .