التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِينَةٗ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَيُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗا} (7)

قوله : { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا } ( زينة ) ، منصوب ؛ لأنه مفعول ثان{[2772]} ، والمعنى : أن الله خلق الأرض وما عليها من زينة على اختلاف أنواعها وألوانها وأشكالها ، ما بين زروع وثمرات وأنعام ومعادن وحافلات . وغير ذلك من وجوه الزينة التي تعمر الأرض . لقد خلق الله كل ذلك ليبتلي به الإنسان ، فيظهر فيهم من هو أطوع لأوامر الله وأكثر انزجارا عن نواهيه وأشد التزاما لشرعه وأحكامه .

والمراد من ذلك : التذكير بأن الدنيا دار اختبار ومرور ، وأنها العاجلة الفانية الغرور ، الصائرة إلى الزوال المحتوم عما قريب . فلا تبئس بما يفعله الظالمون من جحود وتمرد . ومما هو خليق ذكره هنا ان ابتئاس المسلم واشتداد حزنه وغضبه مما يفعله الظالمون من فرط الجحود والعصيان ، لهو سمة ظاهرة تكشف عن إخلاص النية لله ، وعن مبلغ التشبث بعقيدة الإسلام التي يستمسك بها المسلمون الغيورون في كل الأحوال . إن اغتمام المسلم مما يجده في نفسه من بالغ الحزن والأسى مما يقترفه الظالمون المجرمون في حق الإسلام والمسلمين من تشويه وكيد وإبادة واستئصال ؛ لهو دليل على صدق القلب الموصول بالله ، المحب لدينه وشرعه . وما ينبغي لمسلم أن يواجه الجرائم والفظائع التي ينزلها الظالمون الطغاة في ساحة الإسلام والمسلمين بفتور وتبلد . فمن ذا الذي لا يعبأ بأرزاء المسلمين وويلاتهم إلا من تخبو في صدره جذوة العقيدة ، ويموت في نفسه الإحساس بالإيمان .

وشأن المسلم المخلص الغيور أن يغضب ويأسى ويبئس مما يفعله الطغاة والمجرمون في حق الإسلام والمسلمين على أن لا يفْضي الإفراط في الحزن والغضب إلى الهلكة وذهاب النفس حسرات .


[2772]:- البيان لابن الأنباري جـ2 ص 100.