وقوله : { الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ } يقول تعالى تكذيبًا أيضًا لهؤلاء الذين زعموا{[6278]} أن الله عَهِدَ إليهم في كتبهم ألا يؤمنوا برسول حتى يكون من معجزاته أن من تصدق بصدقة من أمته فقبلَتْ منه أن تنزل نار من السماء تأكلها . قاله ابن عباس والحسن وغيرهما . قال الله تعالى : { قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ } أي : بالحجج والبراهين { وَبِالَّذِي قُلْتُمْ } أي : وبنار تأكل القرابين المتقبلة { فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ } أي : فلم قابلتموهم بالتكذيب والمخالفة والمعاندة وقتلتموهم { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أنكم تَتّبعُونَ الحق وتنقادون للرسل .
وقوله تعالى : { الذين قالوا إن الله عهد إلينا } صفة راجعة إلى قوله : { الذين قالوا إن الله فقير } وقال الزجاج : { الذين } صفة للعبيد ، وهذ مفسد للمعنى والرصف ، وهذه المقالة قالتها أحبار يهود مدافعة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم أي إنك لا تأتي بنار فنحن قد عهد إلينا أن لا نؤمن لك ، و { عهد } معناه : أمر والعهد : أخص من الأمر ، وذلك أنه في كل ما يتطاول أمره ويبقى في غابر الزمان ، وتعدى «آمن » في هذه الآية باللام والباء في ضمن ذلك ، «وقربان » مصدر سمي به الشيء الذي يقرب كالرهن ، وكان أمر القربان حكماً قديماً في الأنبياء ، ألا ترى أن ابني آدم قربا قرباناً ، وذلك أنهم كانوا إذا أرادوا معرفة قبول الله تعالى لصدقة إنسان أو عمله أو صدق قوله ، قرب قرباناً شاة أو بقرة ذبيحة أو بعض ذلك وجلعه في مكان للهواء وانتظر به ساعة ، فتنزل نار من السماء فتحرق ذلك الشيء ، فهذه علامة القبول ، وإذا لم تنزل النار فليس ذلك العمل بمقبول ، ثم كان هذا الحكم في أنبياء بني إسرائيل ، وكانت النار أيضاً تنزل لأموال الغنائم فتحرقها ، حتى أحلت الغنائم لمحمد صلى الله عليه وسلم حسب الحديث{[3754]} وروي عن عيسى بن عمر ، أنه كان يقرأ «بقرُبان » بضم الراء وذلك للإتباع لضمة القاف وليست بلغة ، لأنه ليس في الكلام فعلان بضم الفاء والعين ، وقد حكى سبيويه : السلطان بضم اللام ، وقال : إن ذلك على الإتباع .
{ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِى بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِى قُلْتُمْ فَلِمَ قُتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَاؤا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزَّبُورِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ }
هذا رد عليهم في مقالتهم وتبيين لإبطالهم ، أي : { قد جاءكم رسل } بالآيات الباهرة البينة ، وفي جملتها ما قلتم من أمر القربان فلم قتلتموهم يا بني إسرائيل المعنى بل هذا منكم تعلل وتعنت ، ولو أتيتكم بالقربان لتعللتم بغير ذلك ، والاقتراح لا غاية له ، ولا يجاب كل مقترح ، ولم يجب الله مقترحاً إلا وقد أراد تعذيبه وأن لا يمهله ، كقوم صالح وغيرهم ، وكذلك قيل لمحمد في اقتراح قريش فأبى ، وقال : بل أدعوهم وأعالجهم{[3755]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.