الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيۡنَآ أَلَّا نُؤۡمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأۡتِيَنَا بِقُرۡبَانٖ تَأۡكُلُهُ ٱلنَّارُۗ قُلۡ قَدۡ جَآءَكُمۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِي بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَبِٱلَّذِي قُلۡتُمۡ فَلِمَ قَتَلۡتُمُوهُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (183)

{ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا } الآية .

قال الكلبي : نزلت في كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف ووهب بن يهودا وزيد بن تابوه وفنحاص بن عازوراء وحيي بن أخطب ، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله تزعم أن الله بعثك إلينا رسولا وأنزل علينا كتاباً ، فإن الله قد عهد إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول يزعم أنه جاء من عند الله حتى يأتينا بقربان تأكله النار ، فإن جئتنا به صدقناك ، فأنزل الله عزّ وجلّ { قَالُواْ } يعني وسمع الله قول الذين قالوا ، ومحل ( الذين ) خفض ردّاً على الذين الأول { إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا } أي أمرنا وأوصانا في كتبه على ألسنة رُسله .

{ أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ } أي لا نصدق رسولا يزعم أنه جاء من عند الله { حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ } فيكون ذلك دلالةً على صدقه ، والقربان كل ما يتقرب به العبد إلى الله عزّ وجلّ من زكاة وصدقة وعمل صالح ، وهو فعلان من القربة مثل الرفعان من الرّفع [ والغنيان ] من الغنى ، ويكون اسماً ومصدراً فمثال الاسم : السلطان والبرهان ، ومثال المصدر : العدوان والخسران .

وكان عيسى بن عمر يقرأ : قُربان فبضم الراء والقاف كما يقال في جمع ظلمة : ظلمات ، وفي جمع حجرة : حجرات .

قال المفسرون : كانت القرابين والغنائم تحل لبني إسرائيل ، فكانوا إذا قرّبوا قرباناً وغنموا غنيمة فإن تقبل منهم ذلك جاءت نار بيضاء من السماء لا دخان لها ولها دوي وحفيف ، فتأكل ذلك القربان وتلك الغنيمة وتحرقهما ، فيكون ذلك علامة القبول ، وإذا لم يقبل بقي على حاله .

وقال عطاء : كانت بنو إسرائيل يذبحون لله فيأخذون الثروب وأطائب اللحم فيضعونها في وسط البيت والسقف مكشوف ، فيقوم النبي في البيت ويناجي ربّه ، وبنو إسرائيل خارجون حول البيت ، فتنزل نار فتأخذ ذلك القربان فيخر النبي ساجداً فيوحي الله عزّ وجلّ إليه بما شاء .

قال السدي : إن الله تعالى أمر بني إسرائيل في التوراة : من جاءكم من أحد يزعم أنه رسول فلا تصدقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله النار حتى يأتيكم المسيح ومحمد ، فإذا أتياكم فآمنوا بهما فإنهما يأتيان بغير قربان ، قال الله تعالى إقامة للحجة عليهم { قُلْ } يا محمد { قَدْ جَآءَكُمْ } يا معشر اليهود { رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ } من القربان { فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ } يعني زكريا ويحيى وسائر من قتلوا من الأنبياء ، وأراد بذلك أسلافهم ، فخاطبهم بذلك لأنهم رضوا بفعل أسلافهم ، ومعنى الآية تكذيبهم يا محمد إياك مع علمهم بصدقك ، كقتل آبائهم الأنبياء مع الإتيان بالقربان والمعجزات ،