فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيۡنَآ أَلَّا نُؤۡمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأۡتِيَنَا بِقُرۡبَانٖ تَأۡكُلُهُ ٱلنَّارُۗ قُلۡ قَدۡ جَآءَكُمۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِي بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَبِٱلَّذِي قُلۡتُمۡ فَلِمَ قَتَلۡتُمُوهُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (183)

قوله : { الذين قَالُوا } هو خبر مبتدأ محذوف أي : هم الذين قالوا ، وقيل : نعت للعبيد ، وقيل : منصوب على الذم ، وقيل : هو في محل جر بدل من { لقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الذين قَالُوا } وهو ضعيف ؛ لأن البدل هو المقصود دون المبدل منه ، وليس الأمر كذلك هنا ، والقائلون هؤلاء هم جماعة من اليهود ، كما سيأتي ، وهذا المقول ، وهو أن الله عهد إليهم أن لا يؤمنوا لرسول حتى يأتيهم بالقربان هو من جملة دعاويهم الباطلة . وقد كان دأب بني إسرائيل أنهم كانوا يقربون القربان ، فيقوم النبي ، فيدعو ، فتنزل نار من السماء ، فتحرقه ، ولم يتعبد الله بذلك كل أنبيائه ، ولا جعله دليلاً على صدق دعوى النبوة ، ولهذا ردّ الله عليهم ، فقال : { قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ من قَبْلِي بالبينات وبالذي قُلْتُمْ } من القربان { فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صادقين } كيحيى بن زكريا وشعياء ، وسائر من قتلوا من الأنبياء . والقربان : ما يتقرب به إلى الله من نسيكة وصدقة وعمل صالح ، وهو فعلان من القربة ؛ ثم سلى الله رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله : { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَ رُسُلٌ من قَبْلِكَ جَاءوا } .

/خ184