السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيۡنَآ أَلَّا نُؤۡمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأۡتِيَنَا بِقُرۡبَانٖ تَأۡكُلُهُ ٱلنَّارُۗ قُلۡ قَدۡ جَآءَكُمۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِي بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَبِٱلَّذِي قُلۡتُمۡ فَلِمَ قَتَلۡتُمُوهُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (183)

وقوله تعالى :

{ الذين } نعت للذين قبله { قالوا } لمحمد صلى الله عليه وسلم : تزعم أنّ الله بعثك بالحق رسولاً وأنزل عليك كتاباً وأن نؤمن بك أي : وقالوا { إنّ الله } قد { عهد إلينا } أي : أمرنا وأوصانا في كتبه { أن لا نؤمن لرسول } أي : لا نصدّق رسولاً أنه قد جاء من عند الله { حتى يأتينا بقربان تأكله النار } أي : حتى يأتينا بهذه المعجزة الخاصة التي كانت لأنبياء بني إسرائيل ، فيكون دليلاً على صدقه والقربان كل ما يتقرّب به العبد إلى الله من نسيكة وعمل صالح وكانوا إذا قرّبوا قرباناً أو غنموا غنيمة جاءت نار بيضاء من السماء لا دخان لها ولها دوي وهفيف فتأكل ذلك القربان وتأكل الغنيمة . ومعنى أكلها أن تحيل ذلك إلى طبعها بالإحراق فيكون ذلك علامة القبول وإذا لم يتقبل بقي على حاله وهذا من مفترياتهم وأباطيلهم ؛ لأن أكل النار القربان لم يوجب الإيمان إلا لكونه معجزة فهو وسائر المعجزات في ذلك سواء ، وقال السديّ : هذا الشرط جاء في التوراة ولكنه مع شرط آخر وهو أنّ الله تعالى أمر بني إسرائيل من جاءكم يزعم أنه رسول الله فلا تصدّقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله النار حتى يأتيكم المسيح ومحمد ، فإذا أتياكم فآمنوا بهما فإنهما يأتيان بغير قربان قال الله تعالى إقامة للحجة عليهم { قل } لهم يا محمد { قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات } أي : بالمعجزات { وبالذي قلتم } من القربان كزكريا ويحيى فقتلتموهم { فلم قتلتموهم } والخطاب لمن في زمن نبينا وإن كان الفعل لأجدادهم لرضاهم به { إن كنتم صادقين } في أنكم تؤمنون بالرسل عند الإتيان بذلك .