تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيُدۡخِلُهُمُ ٱلۡجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمۡ} (6)

أي : عرفهم بها وهداهم إليها .

قال مجاهد : يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم ، وحيث قسم الله لهم منها ، لا يخطئون كأنهم ساكنوها منذ خلقوا ، لا يستدلون عليها أحدا . وروى مالك عن ابن زيد بن أسلم نحو هذا .

وقال محمد بن كعب : يعرفون بيوتهم إذا دخلوا الجنة ، كما تعرفون بيوتكم إذا انصرفتم من الجمعة .

وقال مقاتل بن حَيَّان : بلغنا أن الملك الذي كان وُكِّل بحفظ عمله في الدنيا يمشي بين يديه في الجنة ، ويتبعه ابن آدم حتى يأتي أقصى منزل هو له ، فيعرّفه كل شيء أعطاه الله في الجنة ، فإذا انتهى إلى أقصى منزله في الجنة دخل [ إلى ] {[26630]} منزله وأزواجه ، وانصرف الملك عنه ذكرهن {[26631]} ابن أبي حاتم ، رحمه الله .

وقد ورد الحديث الصحيح بذلك أيضا ، رواه البخاري من حديث قتادة ، عن أبي المتوكل الناجي ، عن أبي سعيد الخدري [ رضي الله عنه ]{[26632]} ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار ، يتقاصّون مظالم كانت بينهم في الدنيا ، حتى إذا هُذّبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة ، والذي نفسي بيده ، إن أحدهم بمنزله في الجنة أهدى منه بمنزله الذي كان في الدنيا " {[26633]} .


[26630]:- (1) زيادة من ت، أ.
[26631]:- (2) في ت: "ذكر هذا".
[26632]:- (3) زيادة من ت.
[26633]:- (4) صحيح البخاري برقم (6535).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيُدۡخِلُهُمُ ٱلۡجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمۡ} (6)

وروى عباس بن المفضل عن أبي عمرو : «ويدخلهم » بسكون اللام . وفي سورة [ التغابن ] { يوم يجمعكم }{[10354]} [ التغابن : 9 ] وفي سورة [ الإنسان ] { إنما نطعمكم }{[10355]} [ الإنسان : 9 ] بسكون العين والميم .

وقوله تعالى : { عرفها لهم } قال أبو سعيد الخدري وقتادة معناه : بينها لهم ، أي جعلهم يعرفون منازلهم منها ، وفي نحو هذا المعنى هو قول النبي عليه السلام : «لأحدكم بمنزله في الجنة أعرف منه بمنزله في الدنيا »{[10356]} وقالت فرقة معناه : سماها لهم ورسمها ، كل منزل باسم صاحبه ، فهذا نحو من التعريف . وقالت فرقة معناه : شرفها لهم ورفعها وعلاها ، وهذا من الأعراف التي هي الجبال وما أشبهها ، ومنه أعراف الخيل . وقال مؤرج وغيره معناه : طيبها مأخوذ من العرف ، ومنه طعام معرف ، أي مطيب . وعرفت القدر : طيبتها بالملح والتوابل .


[10354]:من الآية(9) من سورة (التغابن).
[10355]:من الآية(9) من سورة (الإنسان).
[10356]:في صحيح البخاري ما يدل على صحة هذا الحديث، لكن اللفظ فيه ليس (أعرف) كما ذكر هنا، بل اللفظ فيه(أهدى)، وهو عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يخلص المؤمنون من النار، فيحبون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونُقُّوا أذن لهم في دخول الجنة، فو الذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله في الدنيا)، وقد استدل كل من القرطبي، وابن كثير على صحة هذا الرأي بهذا الحديث.