فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَيُدۡخِلُهُمُ ٱلۡجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمۡ} (6)

{ سيهديهم ويصلح بالهم( 5 )ويدخلهم الجنة عرفها لهم( 6 ) } .

الشهداء يأمنون أحوال الآخرة وأهوالها ، ولا يحزنهم الفزع الأكبر ، ولا تُعمّى عليهم المسالك ، وقد جاءت البشرى من الله – تبارك اسمه- بذلك : { . . . والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم . . }{[4804]} فهم يعرفون طريقهم إلى الجنة وإلى مساكنهم فيها ، أو { عرّفها } بمعنى : طيّبها بالعرف ، وهو المسك .

[ وقد ترد الهداية والمراد بها إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطرق المفضية إليها ؛ من ذلك قوله تعالى في صفة المجاهدين : { . . . فلن يضل أعمالهم . سيهديهم . . } ومنه قوله تعالى : { . . فاهدوهم إلى صراط الجحيم }{[4805]} معناه فاسلكوا بهم إليها ] .

روى الإمام البخاري –رحمه الله تعالى- في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار- فيقص لبعضهم من بعض مظالم{[4806]} كانت بينهم في الدنيا- حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة فو الذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة- منه- بمنزله في الدنيا ) . فكيف بالشهداء ؟ !

[ نقل عن ابن عباس : { عرفها لهم } أي طيبها لهم بأنواع الملاذ ، مأخوذ من العَرف ، وهو الرائحة الطيبة ، وطعام معرف أي مطيب ، تقول العرب : عرّفت القدر إذا طيبتها بالملح والأبازير .

وقال الشاعر يخاطب رجلا ويمدحه :

عرفت كإتب{[4807]} عرّفته اللطائم{[4808]} ]{[4809]}

أي طابت ريحك ، وعبق أثرك في الناس وانتشر كالثوب المطيب بالمسك .


[4804]:سورة الحديد. من الآية 19
[4805]:سورة الصافات. من الآية 23.
[4806]:أرأيت أخي القارئ عاقبة التظالم، وأنها في أيسر أحوالها تبطئ بالمتظالمين-مهما كانوا من المؤمنين- عن دخول الجنة؟ فلا تبغ ولا تظلم، عسى أن يدخلنا ربنا جنته مع الداخلين.
[4807]:الإتب: قميص لا كمين له تلبسه النساء.
[4808]:اللطائم: جمع لطيمة-قطعة مسك.
[4809]:ما بين العارضتين أورده القرطبي.