الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَيُدۡخِلُهُمُ ٱلۡجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمۡ} (6)

أي إذا دخلوها يقال لهم تفرقوا إلى منازلكم ، فهم أعرف بمنازلهم من أهل الجمعة إذا انصرفوا إلى منازلهم . قال معناه مجاهد وأكثر المفسدين . وفي البخاري ما يدل على صحة هذا القول عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار ، [ فيقص لبعضهم من بعض مظالم كان بينهم في الدنيا ]{[13907]} حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة [ منه ]{[13908]} بمنزله في الدنيا ) . وقيل : " عرفها لهم " أي بينها لهم حتى عرفوها من غير استدلال . قال الحسن : وصف الله تعالى لهم الجنة في الدنيا ، فلما دخلوها عرفوها بصفتها . وقيل : فيه حذف ، أي عرف طرقها ومساكنها وبيوتها لهم ، فحذف المضاف . وقيل : هذا التعريف ، بدليل ، وهو الملك الموكل بعمل العبد يمشي بين يديه ويتبعه العبد حتى يأتي العبد منزله ، ويعرفه الملك جميع ما جعل له في الجنة . وحديث أبي سعيد الخدري يرده . وقال ابن عباس : " عرفها لهم " أي طيبها لهم بأنواع الملاذ ؛ مأخوذ من العرف ، وهو الرائحة الطيبة . وطعام معرف أي مطيب ، تقول العرب : عرفت القدر إذا طيبتها بالملح والأبزار . وقال الشاعر يخاطب رجلا ويمدحه :

عَرُفَتْ كإِتْبٍ عرَّفته اللطائمُ{[13909]}

يقول : كما عرف الإتب ، وهو البَقِيرُ والبَقِيرة ، وهو قميص لا كُمَّيْن له تلبسه النساء . وقيل : هو من وضع الطعام بعضه على بعض من كثرته ، يقال حرير معرف ، أي بعضه على بعض ، وهو من العرف المتتابع كعرف الفرس . وقيل : " عرفها لهم " أي وفقهم للطاعة حتى استوجبوا الجنة . وقيل : عرف أهل السماء أنها لهم إظهارا لكرامتهم فيها . وقيل : عرف المطيعين أنها لهم .


[13907]:زيادة عن صحيح البخاري.
[13908]:زيادة عن صحيح البخاري.
[13909]:اللطائم (جمع لطيمة): قطعة مسك.