تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ثُمَّ رُدُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۚ أَلَا لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَهُوَ أَسۡرَعُ ٱلۡحَٰسِبِينَ} (62)

وقوله : { ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ } قال ابن جرير : { ثُمَّ رُدُّوا } يعني : الملائكة { إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ }

ونذكر هاهنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد [ عن أبي هريرة في ذكر صعود الملائكة بالروح من سماء إلى سماء حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله عَزَّ وجل ]{[10751]} حيث قال : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا ابن أبي ذئب ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن سعيد بن يَسَار ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الميت تحضره الملائكة ، فإذا كان الرجل الصالح قالوا : اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، اخرجي حميدة ، وأبشري بروح وريحان ، ورب غير غضبان ، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ، ثم يُعْرَج بها إلى السَّماء فيستفتح لها ، فيقال : من هذا ؟ فيقال : فلان ، فيقال : مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، ادخلي حميدة وأبْشري بروح وريحان ورب غير غضبان . فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله عَزَّ وجل . وإذا كان الرجل السوء ، قالوا : اخرجي أيتها النفس الخبيثة ، كانت في الجسد الخبيث ، اخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق ، وآخر من شكله أزواج ، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ، ثم يعرج بها إلى السماء ، فيستفتح لها ، فيقال : من هذا ؟ فيقال : فلان ، فيقال : لا مرحبًا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ، ارجعي ذميمة ، فإنه لا يفتح لك أبواب السماء . فترسل من السماء ثم تصير إلى القبر ، فيجلس الرجل الصالح فيقال له مثل ما قيل في الحديث الأول ، ويجلس الرجل السوء فيقال له مثل ما قيل في الحديث الأول{[10752]}

هذا حديث غريب{[10753]}

ويحتمل أن يكون المراد بقوله : { ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ } يعني : الخلائق كلهم إلى الله يوم القيامة ، فيحكم فيهم بعدله ، كما قال [ تعالى ]{[10754]} { قُلْ إِنَّ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } [ الواقعة : 49 ، 50 ] ، وقال { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } إلى قوله : { وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } [ الكهف : 47 - 49 ] ؛ ولهذا قال : { مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ }


[10751]:زيادة من م.
[10752]:في أ: "الثاني".
[10753]:المسند (2/364، 365).
[10754]:زيادة من أ.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ رُدُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۚ أَلَا لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَهُوَ أَسۡرَعُ ٱلۡحَٰسِبِينَ} (62)

والضمير في { ردوا } عائد على المتقدم ذكرهم ، ويظهر أن يعود على العباد فهو إعلام برد الكل ، وجاءت المخاطبة بالكاف في قوله { عليكم } تقريباً للموعظة من نفوس السامعين ، و { مولاهم } لفظ عام لأنواع الولاية التي تكون بين الله وبين عبيده من الرزّق والنصرة والمحاسبة والملك وغير ذلك ، وقوله { الحق } نعت ل { مولاهم } ، ومعناه الذي ليس بباطل ولا مجاز ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن والأعمش «الحقَّ » بالنصب ، وهو على المدح ، ويصح على المصدر ، { ألا له الحكم } ابتداء كلام مضمنه التنبيه وهز نفس السامع ، «الحكم » تعريفه للجنس أي جميع أنواع التصرفات في العباد و { أسرع الحاسبين } متوجه على أن الله عز وجل حسابه لعبيده صادر عن علمه بهم فلا يحتاج في ذلك إلى إعداد ولا تكلف سبحانه لا رب غيره ، وقيل لعلي بن أبي طالب كيف يحاسب الله العباد في حال واحدة ؟ قال : كما يرزقهم في حال واحدة في الدنيا .