وقوله : { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } أي : يقومون حفاة عراة غُرلا في موقف صعب حَرج ضيق ضنَك على المجرم ، ويغشاهم من أمر الله - ما تَعْجزُ القوى والحواس عنه .
قال الإمام مالك : عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه " .
رواه البخاري ، من حديث مالك وعبد الله بن عون ، كلاهما عن نافع ، به{[29828]} . ورواه مسلم من الطريقين أيضا . وكذلك رواه صالح [ وثابت بن كيسان ]{[29829]} وأيوب بن يحيى ، وعبد الله وعبيد الله ابنا عمر ، ومحمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، به{[29830]} .
ولفظ الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، أخبرنا ابن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : : " { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } لعظَمة الرحمن عز وجل يوم القيامة ، حتى إن العرقَ ليُلجِمُ الرجالَ إلى أنصاف آذانهم " {[29831]} .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن إسحاق ، حدثنا ابن المبارك ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، حدثني سليم بن عامر ، حدثني المقداد - يعني ابن الأسود الكندي - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا كان يومُ القيامة أدنِيَت الشمس من العباد ، حتى تكون قيدَ ميل أو ميلين ، قال : فتصهرهم الشمس ، فيكونون في العَرق كقَدْر أعمالهم ، منهم من يأخذه إلى عَقِبيه ، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه ، ومنهم من يأخذه إلى حَقْوَيه ، ومنهم من يلجمه إلجاما " .
رواه مسلم ، عن الحكم بن موسى ، عن يحيى بن حمزة - والترمذي ، عن سويد ، عن ابن المبارك - كلاهما عن ابن جابر ، به{[29832]} .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا الحسن بن سَوَّار ، حدثنا الليث بن سعد ، عن معاوية ابن صالح : أن أبا عبد الرحمن حدثه ، عن أبي أمامة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تدنو الشمس يوم القيامة على قدر ميل ، ويزاد في حرها كذا وكذا ، تغلي منها الهوام كما تغلي القدور ، يُعرَقون فيها على قدر خطاياهم ، منهم من يبلغ إلى كعبيه ، ومنهم من يبلغ إلى ساقيه ، ومنهم من يبلغ إلى وسطه ، ومنهم من يلجمه العرق " . انفرد به أحمد{[29833]} .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لَهِيعة ، حدثنا أبو عُشَّانة حَي بن يُؤمِنُ ، أنه سمع عقبة بن عامر يقول : سمعتُ رسول صلى الله عليه وسلم يقول : " تدنو الشمس من الأرض فيعرق الناس ، فمن الناس من يبلغ عرقه عَقِبيه ، ومنهم من يبلغ إلى نصف الساق ، ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه ، ومنهم من يبلغ العَجُز ، ومنهم من يبلغ الخاصرة ، ومنهم من يبلغ منكبيه ، ومنهم من يبلغ وسط فيه - وأشار بيده فألجمها فاه ، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير هكذا - ومنهم من يغطيه عرقه " . وضرب بيده إشارة . انفرد به أحمد{[29834]} .
وفي حديث : أنهم يقومون سبعين سنة لا يتكلمون . وقيل : يقومون ثلاثمائة سنة . وقيل : يقومون أربعين ألف سنة . ويقضى بينهم في مقدار عشرة{[29835]} آلاف سنة ، كما في صحيح مسلم عن أبي هُرَيرة مرفوعا : " في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة " {[29836]} .
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو عون الزيادي ، أخبرنا عبد السلام بن عَجْلان ، سمعت أبا يزيد المدني ، عن أبي هريرة{[29837]} قال : قال النبي{[29838]} صلى الله عليه وسلم لبشير{[29839]} الغفاري : " كيف أنت صانع في يوم يقوم الناس فيه ثلاثمائة سنة لرب العالمين ، من أيام الدنيا ، لا يأتيهم فيه خبر من السماء ولا يؤمر فيه بأمر ؟ " . قال بشير : المستعان الله . قال : " فإذا أويت إلى فراشك فتعوذ بالله من كَرْب يوم القيامة ، وسوء الحساب " .
ورواه ابن جرير من طريق عبد السلام ، به{[29840]} .
وفي سنن أبي داود : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بالله من ضيق المقام يوم القيامة{[29841]} .
وعن ابن مسعود : يقومون أربعين سنة رافعي رءوسهم إلى السماء ، لا يكلمهم أحد ، قد ألجم العرق بَرّهم وفاجرهم .
وعن ابن عمر : يقومون مائة سنة . رواهما ابن جرير{[29842]} .
وفي سنن أبي داود والنسائي وابن ماجة ، من حديث زيد بن الحباب ، عن معاوية بن صالح ، عن أزهر بن سعيد الحواري ، عن عاصم بن حميد ، عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح قيام الليل : يكبر عشرا ، ويحمد عشرا ، ويسبح عشرا ، ويستغفر عشرا ، ويقول : " اللهم اغفر لي واهدني ، وارزقني وعافني " . ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة{[29843]} .
وقيام الناس فيه { لرب العالمين } يختلف الناس فيه بحسب منازلهم ، فروى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
«يقام فيه خمسين ألف سنة{[11677]} » . وهذا بتقدير شدته ، وقيل : ثلاثمائة سنة ، قاله النبي صلى الله عليه وسلم ، {[11678]} وقال ابن عمر : مائة سنة وقيل ثمانون سنة ، وقال ابن مسعود أربعون سنة رافعي رؤوسهم إلى السماء لا يؤمرون ولا يكلمون ، وقيل غير هذا ، ومن هذا كله آثار مروية ومعناها : إن لكل قوم مدة ما تقتضي حالهم وشدة أمرهم ذلك ، وروي أن القيام فيه على المؤمن على قدر ما بين الظهر إلى العصر ، وروي عن بعض الناس : على قدر صلاة ، وفي هذا القيام هو إلجام العرق للناس ، وهو أيضاً مختلف ، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق عقبة بن عامر : «أنه يلجم الكافر إلجاماً {[11679]} » ويروى أن بعض الناس يكون فيه إلى أنصاف ساقيه وبعضهم إلى فوق ، وبعضهم إلى أسفل{[11680]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.