تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوۡلِيَآءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (175)

ثم قال تعالى : { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ } أي : يخوفكم أولياءه ، ويوهمكم أنهم ذوو بأس وذوو شدة ، قال الله تعالى : { فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [ أي : ف ]{[1]} إذا سول لكم وأوهمكم فتوكلوا علي والجؤوا إلي ، فأنا كافيكم وناصركم عليهم ، كما قال تعالى : { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } إلى قوله : { قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ } [ الزمر : 36 - 38 ] وقال تعالى : { فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا } [ النساء : 76 ] وقال تعالى : { أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [ المجادلة : 19 ] وقال تعالى : { كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [ المجادلة : 21 ] وقال [ تعالى ]{[2]} { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ } [ الحج : 40 ] وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ] {[3]} } [ محمد : 7 ] وقال تعالى : { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ . يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } [ غافر : 51 ، 52 ] .


[1]:زيادة من أ.
[2]:ورواه ابن مردويه وأبو الشيخ كما في الدر (3/270).
[3]:في د: "وأديت".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوۡلِيَآءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (175)

{ إنما ذلكم الشيطان } يريد به المثبط نعيما أو أبا سفيان ، والشيطان خبر { ذلكم } وما بعده بيان لشيطنته أو صفته وما بعده خبر ، ويجوز أن تكون الإشارة إلى قوله على تقدير مضاف أي إنما ذلكم قول الشيطان يعني إبليس عليه اللعنة . { يخوف أولياءه } القاعدين عن الخروج مع الرسول ، أو يخوفكم أولياؤه الذين هم أبو سفيان وأصحابه . { فلا تخافوهم } الضمير للناس الثاني على الأول وإلى الأولياء على الثاني . { وخافون } في مخالف أمري فجاهدوا مع رسولي . { إن كنتم مؤمنين } فإن الإيمان يقتضي إيثار خوف الله تعالى على خوف الناس .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوۡلِيَآءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (175)

جملة { إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه } إمّا استئناف بياني إن جَعلتَ قوله : { الذين قال لهم الناس } بدلاً أو صفة كما تقدّم ، وإمَّا خبر عن { الذين قال لهم الناس } إن جَعلَت قوله : { الذين قال لهم الناس } مبتدأ ، والتقدير : الذين قال لهم الناس إلى آخره إنّما مقالهم يخوّف الشيطان به . ورابط هذه الجملة بالمبتدأ ، وهو « الذين قال لهم الناس » على هذا التقدير ، هو اسم الإشارة ، واسم الإشارة مبتدأ .

ثم الإشارة بقوله : { ذلكم } إمّا عائد إلى المقال فلفظ الشيطان على هذا مبتدأ ثان ، ولفظه مستعمل في معناه الحقيقي ، والمعنى : أنّ ذلك المقال ناشىء عن وسوسة الشيطان في نفوس الذين دبّروا مكيدة الإرجاف بتلك المقالة لتخويف المسلمين بواسطة ركب عبد القيس .

وإمّا أن تعود الإشارة الى { الناس } من قوله : { قال لهم الناس } لأن الناس مؤوّل بشخص ، أعني نُعميا بن مسعود ، فالشيطان بدل أو بيان من اسم الإشارة وأطلق عليه لفظ شيطان على طريقة التشبيه البليغ .

وقوله : { يخوف أولياءه } تقديره يخوّفكم أولياءه ، فحذف المفعول الأول لفعل ( يخوّف ) بقرينة قوله بعده : { فلا تخافوهم } فإنّ خَوّف يتعدّى إلى مفعولين إذ هو مضاعف خاف المجرّد ، وخاف يتعدّى الى مفعول واحد فصار بالتضعيف متعدّياً إلى مفعولين من باب كَسَا كما قال تعالى : { ويخوّفكم اللَّه نفسه } [ آل عمران : 28 ] .

وضمير { فلا تخافوهم } على هذا يعود إلى { أولياءه } وجملة { وخافون } معترضة بين جملة { فلا تخافوهم } وجملة { إن كنتم مؤمنين } .

وقوله : { إن كنتم مؤمنين } شرط مؤخّر تقدّم دليل جوابه ، وهو تذكير وإحماء لإيمانهم وإلا فقد علم أنّهم مؤمنون حقّاً .