يذكر تعالى نعَمه على خلقه ، في إرساله الرياح مبشرات بين يدي رحمته ، بمجيء الغيث{[22883]} عقيبها ؛ ولهذا قال : { وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ } أي : المطر الذي ينزله فيحيي به العباد والبلاد ، { وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ } أي : في البحر ، وإنما سيرها بالريح ، { وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ } أي : في التجارات والمعايش ، والسير من إقليم إلى إقليم ، وقطر إلى قطر ، { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي : تشكرون الله على ما أنعم به عليكم من النعم الظاهرة والباطنة ، التي لا تعد ولا تحصى .
{ ومن آياته أن يرسل الرياح } الشمال والصبا والجنوب فإنها رياح الرحمة وأما الدبور فريح العذاب ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام " اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا " وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي " الريح " على إرادة الجنس . { مبشرات } بالمطر . { وليذيقكم من رحمته } يعني المنافع التابعة لها ، وقيل الخصب التابع لنزول المطر المسبب عنها أو الروح الذي هو مع هبوبها والعطف على علة محذوفة دل عليها { مبشرات } أو عليها باعتبار المعنى ، أو على { يرسل } بإضمار فعل معلل دل عليه . { ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله } يعني تجارة البحر . { ولعلكم تشكرون } ولتشكروا نعمة الله تعالى فيها .
عود إلى تعداد الآيات الدالة على تفرده بالإلهية فهو عطف على جملة { ومن ءاياته أن تقوم السماء والأرض بأمره } [ الروم : 25 ] وما تخلل بينهما من أفانين الاستدلال على الوحدانية والبعث ومن طرائق الموعظة كان لتطرية نشاط السامعين لهذه الدلائل الموضّحة المبينة . والإرسال مستعار لتقدير الوصول ، أي يُقدر تكوين الرياح ونظامها الذي يوجهها إلى بلد محتاج إلى المطر .
والمبشرات : المؤذنة بالخير وهو المطر . وأصل البشارة : الخبر السارّ . شبهت الرياح برسل موجهة بأخبار المسرّة . وتقدم ذكر البشارة عند قوله تعالى : { وبشر الذين ءامنوا وعملوا الصالحات } في سورة البقرة ( 25 ) ، وقوله { وإذا بُشِّر أحدُهم بالأنثى } في سورة النحل ( 58 ) ، وذلك أن الرياح تسوق سحاب المطر إلى حيث يمطر . وتقدم الكلام على الرياح في آيات كثيرة منها قوله تعالى { وتصريف الرياح } في سورة البقرة ( 164 ) وعلى { كونها لواقح } في سورة الحجر ( 22 ) .
وقوله { وليذيقكم } عطف على { مُبشرات } لأن { مبشرات } في معنى التعليل للإرسال . وتقدم الكلام على الإذاقة آنفاً .
و { من رحمته } صفة لموصوف محذوف دل عليه فعل { ليذيقكم } أي : مذوقاً . و { مِن } ابتدائية ، ورحمة الله : هي المطر .
وجريان الفلك بالرياح من حكمة خلق الرياح ومن نعمه ، وتقدم في آية سورة البقرة ( 164 ) .
والتقييد بقوله { بأمره } تعليم للمؤمنين وتحقيق للمِنة ، أي : لولا تقدير الله ذلك وجعله أسباب حصوله لما جرت الفلك ، وتحت هذا معان كثيرة يجمعها إلهام الله البشر لصنع الفلك وتهذيب أسباب سيرها . وخلق نظام الريح والبحر لتسخير سيرها كما دل على ذلك قوله { ولعلكم تشكرون } وقد تقدم ذلك في سورة الحج ( 36 ) ، وتقدم هنالك معنى { لتبتغوا من فضله } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.