غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (46)

وحين ذكر ظهور الفساد والهلاك بسبب الشرك ذكر ظهور الصلاح وبين أنه من دلائل الوحدانية بقوله :{ ومن آياته أن يرسل الرياح } ولم يذكر أنه بسبب العمل الصالح لما مر من أن الكريم لا يذكر ، لإحسانه سبباً ويذكر لأضراره سبباً . ومن قرأ على التوحيد فللدلالة على الجنس ، ومن قرأ على الجمع فإما لأنه أراد الجنوب والشمال والصبا وهي رياح الرحمة دون الدبور التي هي للعذاب ، وإما لأن أكثر الرياح نافعة والضارة كالسموم قليلة جداً لا تهب إلا حيناً ، وإما لأن الرياح إذا اجتمعت وتزاحمت وتراكمت حتى صارت ريحاً واحداً أضرت بالأشجار والأبنية وقلعتها وإذا تفرقت وصارت رياحاً اعتدلت ونفعت . قوله { مبشرات } أي بالمطر كقوله { بشراً بين يدي رحمته } [ الأعراف : 57 ] وقيل : أي بتصحيح الأهوية وإصلاح الأبدان . وقوله { وليذيقكم } إما معطوف على ما قبله معنى كأنه قيل : ليبشركم وليذيقكم بعض رحمته لأن راحات الدنيا زائلة لا محالة ، وإما معطوف على محذوف أي وليكون كذا وكذا أرسلناها . وفي قوله { بأمره } إشارة إلى أن مجرد هبوب الريح لا يكفي في جريان الفلك ولكنها تجري بإذن الله وجعله الريح على اعتدال وقوام . وفي قوله { ولتبتغوا من فضله } دلالة على أن ركوب البحر لأجله التجارة جائز . وفي قوله { ولعلكم تشكرون } إشارة إلى أن نعم الله تعالى يجب أن تقابل بالشكر . وإنما بنى الكلام في هذه الآية على الخطاب بخلاف قوله { ليذيقهم بعض الذي عملوا يرجعون } تشريفاً لأهل الرحمة ، ورحمة الله قريب من المحسنين فكان من حقهم أن يخاطبوا .

/خ33