اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (46)

قوله : { ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات } لما ذكر ظهور الفساد والهلاك بسبب الشرك ذكر ظهور الصلاح ولم يذكر أنه سببب العمل الصالح لأن الكريم لا يذكر لإحسانه عوضَاً ويذكر لإضراره سبباً لئلا يتوهم ( بِهِ ){[42148]} الظلم فقال : { يُرْسِلُ الرياح مُبَشِّرَاتٍ } قيل : بالمطر{[42149]} كما قال تعالى : { بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } [ النمل : 63 ] ، أي قبل الفطرة{[42150]} ، وقيل مبشرات بصلاح الأَهْوِية والأحوال ؛ فإن الرياح لو لم تَهُبّ لظهر الوباء والفساد{[42151]} وقرأ العامة : «الرياح » جمعاً لأجل «مبشرات » ، والأعمش بالإفراد ، وأراد الجنس لأجل{[42152]} «مبشرات » .

قوله : «وَلِيُذِيقَكُمْ » إما عطف على معنى مبشرات لأن الحال والصفة يُفْهمان العلة فكان التقدير : «ليبشّر وليذيقكم »{[42153]} وإما أن يتعلق بمحذوف أي وليذيقكم أَرْسَلَها ، وإما أن يكون الواو مزيدة على رأي فتتعلق اللام بأن يرسل{[42154]} .

قوله : { وليذيقكم من رحمته } ( نعمته ){[42155]} بالمطر أو الخَصْب «وَلِتْجِرِيَ الفُلْكُ » لما أسند الفعل إلى الفلك عقبه بقوله «بأَمْرِهِ » أي الفعل ظاهر عليه ولكنه بأمر الله ، والمعنى في ولتجري الفلك في البحر بهذه الرياح بأمره وكذلك لما قال : «وَلتَبْتَعوا » مسنداً إلى العباد ذكر بعده «مِنْ ( فَضْلِهِ ) »{[42156]} .

أي لا استقلال لغيره بشيء ، والمعنى لتطلبوا من رزقه بالتجارة في البحر «ولعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » هذه النعم .

فصل{[42157]} :

قال تعالى : «ظهر الفساد - ليذيقهم بعض الذي عملوا » ( وقال ههنا{[42158]} : «وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ » فخاطبهم ههنا تشريفاً ، ولأن رحمته قريب من المحسنين والمحسنين قريب فيخاطب والمسمّى مُبْعَد فلم يُخَاطَبْ وقال هناك : { بَعْضَ الذي عَمِلُواْ } فأضاف ما أصابهم إلى أنفسهم ، وأضاف ما أصاب المؤمن إلى رحمته فقال : «من رحمته » ؛ لأن الكريم لا يذكر لرحمته وإحسانه عوضاً فلا يقول أعطيتك لأنك فعلت كذا بل يقول هذا لك مني ، وأما ما فعلت من الحسنة فجزاؤه بعد عندي ، وأيضاً فلو قال : أرسلت بسبب فعلكم لا يكون بشارة عظيمة ، وأما إذا قال من رحمته كان{[42159]} غاية البشارة وأيضاً فلو قال : بما فعلتم لكان ذلك موهماً{[42160]} لنُقْصَان ثوابهم في الآخرة ، وأما في حق الكفار فإذا قال بما فعلتم إنما عن{[42161]} نُقْصَانِ عقابهم وهو كذلك وقال{[42162]} هناك : «لعلهم يَرْجِعُونَ » وقال ههنا : ولعلكم تشكرون ، قالوا وإشارة إلى توفيقهم للشكر في النعم فعطف على النعم .


[42148]:ساقط من "ب".
[42149]:انظر: القرطبي 14/43.
[42150]:في تفسير الفخر الرازي المطر بدل القطرة.
[42151]:نقله في التفسير الكبير للفخر الرازي 25/130 و 131.
[42152]:الإتحاف 348 والبحر 7/178.
[42153]:وهو ما يسمى بالعطف على التوهم البحر 7/78 والدر 4/231.
[42154]:المراجع السابقة.
[42155]:ساقط من "ب".
[42156]:ساقط من "ب".
[42157]:في "ب" فإن قيل بدلاً من "فصل".
[42158]:ما بين القوسين كله ساقط من "ب".
[42159]:في "ب" كانت رحمته غاية البشارة.
[42160]:في "ب" توهماً.
[42161]:في "ب" بناء على.
[42162]:في "ب" فقال.