تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (46)

الآية 46 وقوله تعالى : { ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات } أن في الرياح آيات في نفسها ، وفيها بشارات ، أما الآيات فهي آيات سلطانه وتدبيره من وجوه : إنه أنشأ هذه الرياح في الهواء في الأرض وفي الجبال وفي السماء ، تصيب الخلائق ، وتميتهم ، وتودي بهم ، وتفرّعهم ، وتقرّبهم ، من غير أن يروها ، أو يقع عليها البصر ، ومن غير أن يدركوها ، أو يدركوا كيفيتها أو ماهيتها ، ليعلم أن من الأجسام ما هي [ غير ]( {[16101]} ) مدركة ، ولا آخذ البصر عليها ، وترى : منها طيبة وخبيثة وشديدة كاسرة عاصفة ، ويعذب بها قوم [ وينصر بها قوم ]( {[16102]} ) على ما ذكر في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( نصرت بالصبا وأهلك عاد بالدبور ) [ البخاري : 3205 ] ومن بشاراتها ما تلقح الشجار والنخيل ، وتشق الأرض ، وينبت النبات منها ، وتجمع السحاب ، وتأتي بالمطر وتجري بها( {[16103]} ) السفن والفلك في البحار في الماء الراكد [ وفي مثله لا تجري السفن ]( {[16104]} ) والفلك لولا الريح . فذلك كله من البشارة وأنواع المنافع [ التي ]( {[16105]} ) جعلت فيها ؛ يعلم كله بالأعلام والآثار أنها نافعة أو ضارة مهلكة .

ثم سماها مبشرات ليعلم أن البشارة قد تكون بغير النطق والكلام من نحو الكتاب والإشارة أو الرسالة ، إذ ليس للريح نطق ولا كلام ، ثم سماها مبشرة .

وقوله تعالى : { وليذيقكم من رحمته } هذا يدل أن هذه البشارة والمنافع التي جعلها لهم كانت من رحمته فضلا لا استيجابا ولا استحقاقا ، وسمي ذلك كله رحمة ، لأنه برحمته يكون ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ولتجري الفلك بأمره } قوله : { بأمره } يحتمل بتدبيره ، أي بتدبيره تجري السفن في البحار على ما ذكر ، أو أن يريد بأمره : تكوينه كقوله : { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } [ النحل : 40 ] وكقوله : { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } [ يس : 82 ] .

وقوله تعالى : { ولتبتغوا من فضله } هذا يدل على أن ما يصل إليهم من المنافع إنما يصل من فضله ورحمته ، لا يصل إليهم بتلك الأسباب والمكاسب لئلا يروا ذلك من تلك الأسباب ، ولكن يرون( {[16106]} ) ذلك من فضل الله ورحمته .

وقوله تعالى : { ولعلكم تشكرون } أي لكي يلزمهم الشكر لله في ذلك كله ، والله أعلم .


[16101]:من م، ساقطة من الأصل.
[16102]:من م، ساقطة من الأصل.
[16103]:في الأصل وم: بهم.
[16104]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[16105]:ساقطة من الأصل وم.
[16106]:من م، في الأصل: يريدون.