البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (46)

لما ذكر تعالى ظهور الفساد والهلاك بسبب الشرك ، ذكر ظهور الصلاح .

والكريم لا يذكر لإحسانه عوضاً ، ويذكر لعقابه سبباً لئلا يتوهم به الظلم ؛ فذكر من أعلام قدرة إرسال الرياح مبشرات بالمطر ، لأنها متقدمة .

والمبشرات : رياح الرحمة ، الجنوب والشمال والصبا ، وأما الدبور ، فريح العذاب ، وليس تبشيرها مقتصراً به على المطر ، بل لها تبشيرات بسبب السفن والسير بها إلى مقاصد أهلها ، وكأنه بدأ أولاً بشيء عام ، وهو التبشير .

وقرأ الأعمش : الريح ، مفرداً ، وأراد معنى الجمع ، ولذلك قرأ : { مبشرات } .

ثم ذكر من أعظم تباشيرها إذاقة الرحمة ، وهي نزول المطر ، ويتبعه حصول الخصب ، والريح الذي معه الهبوب ، وإزالة العفونة من الهواء ، وتذرية الحبوب ، وغير ذلك .

{ وليذيقكم } : عطف على معنى مبشرات ، فالعامل أن يرسل ، ويكون عطفاً على التوهم ، كأنه قيل : ليبشروكم ، والحال والصفة قد يجيئان ، وفيهما معنى التعليل .

تقول : أهن زيد أسيأ وأكرم زيداً العالم ، تريد لإساءته ولعلمه .

وقيل : ما يتعلق به اللام محذوف ، أي ولكنا أرسلناها .

وقيل : الواو في وليذيقكم زائدة .

و { بأمره } : أي بأمر الله ، يعني أن جريانها ، لما كان مسنداً إليها ، أخبر أنه بأمره تعالى .

{ من فضله } : مما يهيء لكم من الريح في التجارات في البحر ، ومن غنائم أهل الشرك .