تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَا يَنظُرُ هَـٰٓؤُلَآءِ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ مَّا لَهَا مِن فَوَاقٖ} (15)

وقوله : { وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ } : قال مالك عن زيد بن أسلم : أي ليس لها مثنوية أي : ما ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها أي : فقد اقتربت ودنت وأزفت وهذه الصيحة هي نفخة الفزع التي يأمر الله إسرافيل أن يطولها ، فلا يبقى أحد من أهل السماوات والأرض إلا فزع إلا من استثنى الله عز وجل .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَا يَنظُرُ هَـٰٓؤُلَآءِ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ مَّا لَهَا مِن فَوَاقٖ} (15)

{ وما ينظر هؤلاء } وما ينتظر قومك أو الأحزاب فإنهم كالحضور لاستحضارهم بالذكر ، أو حضورهم في علم الله تعالى : { إلا صيحة واحدة } هي النفخة الأولى . { ما لها من فواق } من توقف مقدار فواق وهو ما بين الحلبتين ، أو رجوع وترداد فإنه فيه يرجع اللبن إلى الضرع ، وقرأ حمزة والكسائي بالضم وهما لغتان .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَا يَنظُرُ هَـٰٓؤُلَآءِ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ مَّا لَهَا مِن فَوَاقٖ} (15)

لما أشعر قوله : { فحَقَّ عِقَابِ } [ ص : 14 ] بتهديد مشركي قريش بعذاب ينتظرهم جَرْياً على سنة الله في جزاء المكذبين رسلَه ، عطف على جملة الإِخبار عن حلول العذاب بالأحزاب السابقين جملةُ تَوعد بعذاب الذين ماثلوهم في التكذيب .

و { هؤلاء } إشارة إلى كفار قريش لأن تجدد دعوتهم ووعيدهم وتكذيبهم يوماً فيوماً جعلهم كالحاضرين فكانت الإِشارة مفهوماً منها أنها إليهم ، وقد تتبعتُ اصطلاح القرآن فوجدتُه إذا استعمل { هؤلاء } ولم يكن معه مشار إليه مذكور : أنه يريد به المشركين من أهل مكة كما نبهتُ عليه فيما مضى غير مرة .

و { يَنظُرُ } مشتق من النظر بمعنى الانتظار قال تعالى : { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة } [ الأنعام : 158 ] ، أي ما ينتظر المشركون إلا صيحة واحدة ، وهذا كقوله تعالى : { فهل ينتظرون إلاّ مثل أيام الذين خلوا من قبلهم } [ يونس : 102 ] .

والمتبادر من الآية أنها تهديد لهم بصيحة صاعقة ونحوها كصيحة ثمود أو صيحة النفخ في الصور التي يقع عندها البعث للجزاء ، ولكن ما سبق ذكره آنفاً من أن قوله تعالى : { جُندٌ ما هُنالكَ مهزومٌ منَ الأحزابِ } [ ص : 11 ] إيماءٌ إلى بشارة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن معانديه سيهزمون ويَعمل فيهم السيف يوم بدر ، يقتضي أن الصيحة صيحة القتال وهي أن يصيح النذير : يَا صباحاه كما صَاح الصارخ بمكة حين تعرَّض المسلمون لعير قريش ببدر . ووصفها ب { واحِدَةً } إشارة إلى أن الصاعقة عظيمة مهلكة ، أو أن النفخة واحدة وهي نفخة الصعق ، وفي خفيّ المعنى إيماء إلى أن القوم يبتدرون إلى السلاح ويخرجون مسرعين لإِنقاذ غيرهم فكانت الوقعة العظيمة وقعة يوم بدر أو صيحة المبارزين للقتال يومئذٍ .

وأسند الانتظار إليهم في حين أنهم غافلون عن ذلك ومكذبون بظاهره إسناد مجازي على طريقة المجاز العقلي فإنهم يَنتظر بهم ذلك المسلمون الموعودون بالنصر ، أو ينتظِر بهم الملائكة الموكّلون بحشرهم عند النفخة ، فلما كانوا متعلَّق الانتظار أسند فعل { يَنظُرُ } إليهم لملابسة المفعولية على نحو { في عيشةٍ راضية } [ الحاقة : 21 ] .

والفواق ، بفتح الفاء وضمها : اسم لما بين حلبتي حالب الناقة ورضعتي فَصيلها ، فإن الحالب يحلب الناقة ثم يتركها ساعة ليرضعها فصيلها ليَدر اللبن في الضرع ثم يعودون فيحلبونها ، فالمدة التي بين الحلبتين تسمى فَواقاً . وهي ساعة قليلة وهم قبل ابتداء الحلب يتركون الفصيل يرضعها لتدرّ باللبن . وجمهور أهل اللغة على أن الفتح والضم فيه سواء ، وذهب أبو عبيدة والفراء إلى أن بين المفتوح والمضموم فَرقاً فقالا : المفتوح بمعنى الراحة مثل الجَواب من الإِجابة ، والمضمومُ اسم للمدة . واللبن المجتمع في تلك الحصة يسمى : الفِيقَة بكسر الفاء ، وجمعُها أفاويق .

ومعنى { ما لَها من فَواقٍ } ليس بعدها إمهال بقدر الفواق ، وهذا كقوله تعالى : { ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصِّمون فلا يستطيعون توصية } [ يس : 49 - 50 ] .

وقرأ الجمهور { فَوَاقٍ } بفتح الفاء . وقرأه حمزة والكسائي بضم الفاء .