وقوله : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } هؤلاء هم القسم الثالث ممن يستحق فقراؤهم من مال الفيء ، وهم المهاجرون ثم الأنصار ، ثم التابعون بإحسان ، كما قال في آية براءة : { وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ } [ التوبة : 100 ] فالتابعون لهم بإحسان هم : المتبعون لآثارهم الحسنة وأوصافهم الجميلة ، الداعون لهم في السر والعلانية ؛ ولهذا قال في هذه الآية الكريم : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ } أي : قائلين : { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا } أي : بغضًا وحسدًا { لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } وما أحسن ما استنبط الإمام مالك من هذه الآية الكريمة : أن الرافضي الذي يسبّ الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب لعدم اتصافه بما مدح الله به هؤلاء في قولهم : { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ، عن أبيه ، عن عائشة أنها قالت : أمروا أن يستغفروا لهم ، فسبوهم ! ثم قرأت هذه الآية : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ } الآية .
وقال إسماعيل بن عُلَية ، عن عبد الملك بن عمير ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : أمرتم بالاستغفار لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فسببتموهم . سمعتُ نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها " . رواه البغوي{[28592]} . .
وقال أبو داود : حدثنا مُسَدَّد ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا أيوب ، عن الزهري قال : قال عمر ، رضي الله عنه : { وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ } قال الزهري : قال عمر : هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ، قُرى [ عربية : فَدَك وكذا ]{[28593]} وكذا ، فما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وللفقراء الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ، { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ } { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ } فاستوعبت هذه الآية الناس ، فلم يبق أحد من المسلمين إلا له فيها حق - قال أيوب : أو قال : حظ - إلا بعض من تملكون من أرقائكم . كذا رواه أبو داود ، وفيه انقطاع{[28594]} .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن ثور ، عن مَعْمَر ، عن أيوب ، عن عكرمة ابن خالد ، عن مالك بن أوس بن الحَدَثان قال : قرأ عمر بن الخطاب : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ } حتى بلغ { عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [ التوبة : 60 ] ، ثم قال هذه لهؤلاء ، ثم قرأ : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى [ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ] } {[28595]} [ الأنفال : 41 ] ، ثم قال : هذه لهؤلاء ، ثم قرأ : { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى } حتى بلغ للفقراء { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ } { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ } ثم قال : استوعبت هذه الآية المسلمين عامة ، وليس أحد إلا له فيها حق{[28596]} ، ثم قال : لئن عشت ليأتين الراعي - وهو بَسرو حِمير - نصيبه فيها ، لم يعرق فيها جبينه .
والذين جاؤوا من بعدهم هم الذين هاجروا حين قوي الإسلام أو التابعون بإحسان وهم المؤمنون بعد الفريقين إلى يوم القيامة ولذلك قيل أن الآية قد استوعبت جميع المؤمنين يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان أي لإخواننا في الدين ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا حقدا لهم ربنا إنك رؤوف رحيم فحقيق بأن تجيب دعاءنا .
واختلف الناس في قوله تعالى : { والذين جاؤوا من بعدهم } فقال الفراء : أراد الفرقة الثالثة من الصحابة وهي من آمن أو كبر في آخر مدة النبي صلى الله عليه وسلم . وقال جمهور العلماء : أراد من يجيء من التابعين وغيرهم إلى يوم القيامة ، فوصف الله تعالى القول الذي ينبغي أن يلتزمه كل من لم يكن من الصدر الأول وإعراب { الذين } رفع عطفاً على { هم } أو على { الذين } أو رفع بالابتداء . وقوله تعالى : { يقولون } حال فيها الفائدة والمراد : والذين جاؤوا قائلون كذا أو يكون يقولون صفة ، ولهذه الآية قال مالك وغيره : إنه من كان له في أحد من الصحابة قول سوء أو بغض{[11028]} فلا حظ له في الغنيمة أدباً له ، وجاء عراقيون إلى علي بن الحسين فسبوا أبا بكر وعمر وعثمان فقال لهم : أمن المهاجرين الأولين أنتم ؟ فقالوا : لا ، أفمن { الذين تبوءوا الدار والإيمان } ؟ قالوا : لا ، قال فقد تبرأتم من هذين الفريقين ، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله تعالى فيهم : { والذين جاؤوا من بعدهم } الآية . قوموا فعل الله بكم وفعل ، وقال الحسن أدركت ثلاثمائة من الصحابة منهم سبعون بدرياً كلهم يحدثني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ){[11029]} . فالجماعة أن لا تسبوا الصحابة ولا تماروا في دين الله ولا تكفروا أحداً من أهل التوحيد بذنب » . والغل : الحقد والاعتقاد الرديء ، وقرأ الأعمش : «في قلوبنا غمراً للذين » والغمر : الحقد ، وقد تقدم الاختلاف في قراءة { رؤوف } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.