البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ} (10)

{ والذين جاءوا من بعدهم } : الظاهر أنه معطوف على ما قبله من المعطوف على المهاجرين .

فقال الفراء : هم الفرقة الثالثة من الصحابة ، وهو من آمن أو كفر في آخر مدّة النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال الجمهور : أراد من يجيء من التابعين ، فعلى القول الأول : يكون معنى { من بعدهم } : أي من بعد المهاجرين والأنصار السابقين بالإيمان ، وهؤلاء تأخر إيمانهم ، أو سبق إيمانه وتأخرت وفاته حتى انقرض معظم المهاجرين والأنصار .

وعلى القول الثاني : يكون معنى { من بعدهم } : أي من بعد ممات المهاجرين ، مهاجريهم وأنصارهم .

وإذا كان { والذين } معطوفاً على المجرور قبله ، فالظاهر أنهم مشاركو من تقدّم في حكم الفيء .

وقال مالك بن أوس : قرأ عمر { إنما الصدقات للفقراء } الآية ، فقال : هذه لهؤلاء ، ثم قرأ : { واعلموا أنما غنمتم } فقال : وهذه لهؤلاء ، ثم قرأ : { ما أفاء الله على رسوله } حتى بلغ { للفقراء المهاجرين } إلى { والذين جاءوا من بعدهم } .

ثم قال : لئن عشت لنؤتين الراعي ، وهو يسير نصيبه منها .

وعنه أيضاً : أنه استشار المهاجرين والأنصار فيما فتح الله عليه من ذلك في كلام كثير آخره أنه تلا : { ما أفاء الله على رسوله } الآية ، فلما بلغ { أولئك هم الصادقون } قال : هي لهؤلاء فقط ، وتلا : { والذين جاءوا من بعدهم } الآية ، إلى قوله : { رءوف رحيم } ؛ ثم قال : ما بقي أحد من أهل الإسلام إلا وقد دخل في ذلك .

وقال عمر رضي الله تعالى عنه : لولا من يأتي من آخر الناس ما فتحت قرية إلا قسمتها ، كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر .

وقيل : { والذين جاءوا من بعدهم } مقطوع مما قبله ، معطوف عطف الجمل ، لا عطف المفردات ؛ فإعرابه : { والذين } مبتدأ ، ندبوا بالدعاء للأولين ، والثناء عليهم ، وهم من يجيء بعد الصحابة إلى يوم القيامة ، والخبر { يقولون } ، أخبر تعالى عنهم بأنهم لإيمانهم ومحبة أسلافهم { يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا } ، وعلى القول الأول يكون { يقولون } استئناف إخبار ، قيل : أو حال .