الآية 10 وقوله تعالى : { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا } الآية ؛ قد علم الله تعالى أنه قد يكون في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من يلعن سلفه حتى أمرهم بالاستغفار لهم .
وفيه دلالة على فساد قول الروافض والخوارج والمعتزلة :
لأن الروافض من قولهم : إن القوم لما ولوا الخلافة أبا بكر رضي الله عنه كفروا ، ومن قول الخوارج : إن عليا رضي الله عنه كفر بقتاله معاوية وأصحابه . فقالت المعتزلة : إن من عدل عن الحق في القتال خرج عن الإيمان .
ولو كان ما ارتكبوا من الزلات ، يكفرهم ، ويخرجهم عن الإيمان لم يكن للاستغفار لهم معنى ، لأن الله تعالى نهى عن الاستغفار للمشركين . فإذن أذن ههنا بالاستغفار ليبين{[20929]} بهذا أن ما ارتكبوا من الذنوب لم يخرجهم من الإيمان ، ولأنه أبقى الأخوة في ما بينهم مع علمنا أنه لم يكن بين الآخرين والأولين أخوة إلا في الدين ، فلولا أنهم كانوا مؤمنين لم يكن لإبقاء الأخوة معنى ، والله أعلم ، ولأنه قال تعالى : { ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا } ولو كان ذلك يخرجهم من الإيمان لم يكن لهذا الدعاء معنى ، لأن الواجب أن يكون في قلوب المؤمنين عداوة للكفار ومقتهم .
فلما ندب ، جل ثناؤه ، في هذه الآية إلى نفي الغل والحسد عن قلوبهم بتلك الدعوة ثبت أنهم كانوا مؤمنين ، والله أعلم .
ثم في الأمر بالاستغفار دلالة أنهم كانت منهم ذنوب يستوجبون بها العقوبة لولا فضل الله ومغفرته ، وإن كانوا في ما يتعاطونه مجتهدين ليعلم أنه ليس كل مجتهد مصيبا{[20930]} .
ثم قوله : { ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا } يعني عداوة ؛ يحتمل أن يكون المراد منه المؤمنين الذين سبقوهم ، ويحتمل أن يكون هذا في كل المؤمنين .
وقوله تعالى : { ربنا إنك رؤوف رحيم } الرحمة من الله تعالى فضل منه على عباده وإحسان إليهم .
ألا ترى إلى قوله : { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب } [ آل عمران : 8 ] [ إذ أخبر ]{[20931]} أن رحمته هبة منه وإحسان إلى عبده ؟ والله أعلم .
ثم الاستغفار في حال الحياة له معنيان :
أحدهما : طلب السبب الذي إن جاءه استوجب المغفرة .
وفي حال الوفاة ليس إلا طلب عين المغفرة .
فلما ندب ، جل ، وعلا ، إلى الاستغفار لهم بعد وفاتهم ، وحال الاستغفار بعد الوفاة على ما وصفنا لا يتوجه إلا على حقيقة المغفرة ، ثبت أن ذنوبهم لم تخرجهم [ من الإيمان ]{[20932]} لأنه لو كان من حكمه ، جل ثناؤه ، ألا تحل مغفرتهم ، إذا ارتكبوا الكبيرة ، لم يكن في الأمر بالاستغفار لهم حكمة ، والله أعلم .
وقال جعفر بن حرب : إنه ليس في قوله : { ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا } ما يدل على أنه يجعل في قلوبهم [ غلا ]{[20933]} لأنه إذا قيل : لا تفعل بفلان{[20934]} شيئا لم يفهم به أنه يفعله إذا أحب .
ولكن يجاب عن هذا أنه ذكر الله تعالى نصا في آية أخرى ما يدل على جعل العداوة . ألا ترى أنه قال : { فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة } [ المائدة : 14 ] .
فإن قال : تأويله أنه أغرى{[20935]} بينهم العداوة{[20936]} لا أنه جعلها ، قلنا : غير محتمل أن يخلق الله تعالى العداوة في قلوبهم من غير فعل ، يكون منهم بها . وإن كان كذلك ثبت أنه يخلق هذه الأشياء وقت فعل العبد لها ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.