نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ} (10)

ولما أثنى الله سبحانه وتعالى على المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم بما هم أهله ، عقب{[63963]} التابعين لهم بإحسان ما يوجب لهم الثناء فقال عاطفاً على المهاجرين فيقتضي التشريك{[63964]} معهم ، أو على أصل القصة من عطف الجمل : { والذين جاؤوا } أي من أي طائفة كانوا{[63965]} ، ولما كان المراد{[63966]} المجيء ولو في زمن يسير ، أثبت الجار فقال : { من بعدهم } أي بعد المهاجرين والأنصار وهم من آمن بعد انقطاع الهجرة بالفتح وبعد إيمان الأنصار الذين أسلموا بعد{[63967]} النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ، ثم ذكر الخبر أو الحال على نحو{[63968]} ما مضى في الذي قبله فقال تعالى : { يقولون } أي على سبيل التجديد والاستمرار تصديقاً لإيمانهم بدعائهم لمن سنه لهم : { ربنا } أي أيها{[63969]} المحسن إلينا بإيجاد من مهد الدين قبلنا . ولما كان الإنسان وإن اجتهد موضعاً للنقصان قال ملقناً لنا : { اغفر } أي أوقع الستر على{[63970]} النقائص أعيانها وآثارها { لنا } ولما بدؤوا بأنفسهم ، ثنوا بمن كان السبب في إيمانهم فقالوا : { ولإخواننا } أي في الدين فإنه أعظم أخوة ، {[63971]}وبينوا{[63972]} العلة بقولهم : { الذين سبقونا بالإيمان } ولما لقنهم{[63973]} سبحانه حسن الخلافة لمن مهد لهم ما هم فيه ، أتبعه تلقين ما يعاشرون به أعضادهم الذين هم معهم على وجه يعم من قبلهم ، فقال معلماً بأن الأمر كله بيده حثاً على الالتجاء إليه من أخطار النفس التي هي أعدى الأعداء{[63974]} : { ولا تجعل } وأفهم قوله : { في قلوبنا } أن{[63975]} رذائل النفس قل{[63976]} أن تنفك وأنها إن كانت مع صحة القلب أوشك أن لا{[63977]} تؤثر { غلاًّ } أي ضغناً{[63978]} و{[63979]}حسداً وحقداً{[63980]} وهو حرارة و{[63981]}غليان يوجب الانتقام{[63982]} { للذين آمنوا } أي أقروا بالإيمان وإن كانوا في أدنى درجاته .

ولما كان هذا دعاء جامعاً للخير ، لقنهم ما يجيبهم في لزومه والتخلق به مع ما فيه من التملق للإله والتعريض له بقوة الرجاء فقال : { ربنا } أي أيها المحسن إلينا بتعليم ما لمن نكن نعلم ، وأكدوا إعلاماً بأنهم يعتقدون ما يقولونه وإن ظهر من أفعالهم ما يقدح في اعتقادهم ولو في بعض الأوقات فقالوا : { إنك رؤوف } أي راحم أشد الرحمة لمن كانت له بك وصلة بفعل من أفعال الخير { رحيم * } مكرم غاية الإكرام لمن أردته ولو لم يكن له وصلة ، فأنت جدير بأن تجيبنا لأنا بين أن يكون لنا وصلة فنكون من أهل الرأفة ، أو لا فنكون من أهل الرحمة ، فقد أفادت هذه الآية أن من كان في قلبه غل على أحد من الصحابة رضي الله عنهم فليس ممن عنى الله بهذه الآية .


[63963]:- من ظ، وفي الأصل: من، والكلمة ساقطة من م.
[63964]:- من ظ وم، وفي الأصل: التشديد.
[63965]:- من ظ وم، وفي الأصل: كان.
[63966]:- زيد من ظ.
[63967]:- في ظ: مع.
[63968]:- زيد من ظ وم.
[63969]:- زيد من ظ وم.
[63970]:- زيد من ظ و م.
[63971]:- من ظ وم، وفي الأصل: ثم بنوا.
[63972]:- - من ظ وم، وفي الأصل: ثم بنوا.
[63973]:- من ظ وم، وفي الأصل: لقبهم.
[63974]:- زيد في الأصل وظ: فقال، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.
[63975]:- من ظ وم، وفي الأصل: أي.
[63976]:- من ظ وم، وفي الأصل: قبل.
[63977]:- زيد من ظ وم.
[63978]:- في ظ: بغضا.
[63979]:- من ظ وم، وفي الأصل: حقدا وحدا.
[63980]:- من ظ وم، وفي الأصل: حقدا وحدا.
[63981]:- زيد من ظ وم.
[63982]:- زيد في الأصل: تقدير ولا تجعل شيئا من هذا الغل في قلوبنا، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.